الرفاهية الزائفة تخفض جودة المعيشة
• التركيز على زيادة الإنفاق المالي قابله انخفاض في مستوى الخدمات العامة
• تراجع ترتيب الكويت في مؤشر «ليغاتوم» للرفاهية من 31 عالمياً إلى 58 خلال 10 سنوات
مهمة أي إدارة عامة هي تحويل جانب مهم من المليارات التي تنفقها الدولة إلى منافع مستدامة ذات أثر اقتصادي واجتماعي لبلوغ الرفاهية الحقيقية لا الزائفة، وهذا بالضبط ما فعلته دول مثل الدنمارك والنرويج وسويسرا، وما زالت تتصدر مؤشر ليغاتوم لـ «الرخاء - الرفاهية» سنوياً.
شهد عدد من مؤسسات الدولة خلال الاسابيع الماضية اعتصامات ومطالبات متعددة بمجموعة من المزايا المالية بالتزامن مع الارتفاع القوي لاسعار النفط العالمية في خطوة تعيد للأذهان العديد من المطالبات التي شهدتها البلاد في العشرية الأولى من الألفية الحالية، بالتزامن كذلك مع ارتفاع اسعار النفط وفتحت - حينها - الباب لسيل من الكوادر والزيادات المالية والمكافآت التي تعدت اثارها تحميل الميزانية العامة للدولة أعباء طويلة الامد الى ترسيخ "الشعور الزائف بالرفاهية" بالمجتمع. والشعور الزائف بالرفاهية ريعي بطبيعته يستنزف مليارات الدنانير بضخ الأموال المباشرة على المواطنين عبر الانفاق الجاري على شكل رواتب او منح او كوادر... الخ بحيث ترتفع المطالب وما يواكبها من قوانين ومقترحات في اتجاه طلب مزيد من المال اعتقادا بأنه كلما زاد الدخل الشخصي فإن ذلك سينعكس ايجابا على جودة الحياة في حين لا تجد مقومات الرفاهية الحقيقية، ومن ابسطها السكن والتعليم والعلاج وجودة الخدمات الى ضبط مستويات التضخم ومتانة أنظمة الضمان الاجتماعي والاهتمام بمعايير البيئة وصولا إلى تحقيق آليات الحكم الرشيد وضمان الحريات العامة والشخصية.
أعراض سلبية
ومشكلة الشعور الزائف بالرفاهية ان اعراضه السلبية تتجاوز تضخم الاعباء المالية الى تخريب العديد من مناحي الحياة، اذ تبين الارقام والمؤشرات ان ارتفاع الدخل او المنافع المالية لا يؤدي بالضرورة الى رفاهية حقيقية في المجتمع، فالكويت التي تعتبر من اغنى دول العالم من حيث الدخل مقارنة بعدد السكان والثروات سجلت تدهورا في ترتيبها وفق مؤشر معهد ليغاتوم البريطاني المتخصص في قياس درجة " الرفاهية - الرخاء " في مختلف دول العالم.تضخم وتدهور
وبالتزامن مع تضخم الانفاق الحكومي على الكوادر والزيادات المالية بشكل غير مسبوق , والتي كان بعضها لتعويض الاخفاق التنموي او لتفادي الدخول في صراع سياسي , تدهور ترتيب الكويت في مؤشر ليغاتوم من 31 عالميا في عام 2010 الى الـ 58 عالميا في عام 2020، وهذا المؤشر لا يقيس الرفاهية والرخاء من منطلق مالي انما بمعايير اخرى كجودة الحياة الاقتصادية والتعليم والصحة والسلامة والأمن والبيئة، فنجد ان الكويت احتلت في هذا المؤشر - مع مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) - مراتب متدنية لم تحصل عليها افقر دول العالم، فبلادنا التي تنفق ما يوازي 10 في المئة من ميزانياتها السنوية على التعليم (معظمها رواتب) بما يتجاوز ملياري دينار، تقع في الترتيب الـ104 عالميا في التعليم الاساسي، ورغم إنفاقها نحو 1.2 مليار دينار خلال 4 سنوات على اعمال الطرق، فترتيبها 84 على مستوى العالم من حيث جودة الطرق، وكذلك فإن الكويت في الترتيب الـ 97 عالميا في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال رغم اعلانها منذ 20 عاما ان خططها مسخّرة في اتجاه التحول الى مركز تجاري ومالي.دخل الفرد
وحتى مع تجاوز المؤشرات الدولية فإن ازمة الشعور الزائف بالرفاهية تبدو ماثلة بشكل يومي عندما نعرف ان متوسط دخل الفرد في الكويت يعتبر تاسع افضل دخل سنوي في العالم بـ 68 ألف دولار، غير ان استيفاء اكثر ضروريات الحياة كتملك منزل يبدو من المصاعب الجمة في ظل تراكم نحو 150 الف طلب اسكاني بلا تنفيذ فيما كانت اوضاع العقار السكني مثلا في عام 2000 بمتوسط دخل فرد لا يتجاوز 20 الف دولار بالسنة، اسهل بكثير، وكان من المتاح لمعظم منتسبي الطبقة المتوسطة شراء منزل بعد تدبيرات بسيطة لميزانية الاسرة.بل ان ازمة السكن اليوم تعاظمت بسبب ذلك الشعور الزائف بالرفاهية فتحول قطعة العقار السكني لقناة استثمار وربما ثروة بدلا من ان يكون مأوى، وبالتالي صارت هذه الازمة عبئا ليس فقط على الطبقة المتوسطة انما ايضا على الدولة، اذ اعترف وزير الاسكان شايع الشايع هذا الاسبوع بأن "الاستمرار على النهج الحالي في توفير الرعاية السكنية مكلف جداً وغير مستدام"، كما أن جانبا من التكلفة مرتبط بـ"عدم وجود منتجات إسكانية بمواصفات متنوعة الحجم والجودة تلبي احتياجات مختلف الفئات"، وهذه تصريحات لا يمكن وصفها بأنها شجاعة ما لم يواكبها برنامج تنفيذي يعالج مجموعة من السياسات غير السليمة التي ضاعفت الأزمة خلال السنوات الماضية، وأبرزها الاعتراف بأن الرعاية السكنية تتطلب إعادة صياغة مفهوم السكن للمواطنين حسب حاجاتهم بما يقلل التكلفة عليهم وعلى الدولة خصوصا فيما يتعلق بتكاليف استهلاك الطاقة الكهربائية او كلفة العمالة المنزلية والاهم من ذلك كله ان يجعل الحصول على المنزل امرا متاحاً للجميع بغض النظر عن مستوى الثراء.اختفاء التضخم!
ولعل أكثر الأحداث غرابة في الكويت خلال الأشهر الماضية، والذي يشير الى اهمال حكومي جسيم في التعامل مع المتطلبات المعيشية للمستهلكين، يتمثل في توقف الجهاز الحكومي المختص ببيان اثر صرف الاموال على الاقتصاد والمستهلكين، وهي الادارة المركزية للاحصاء، عن اصدار بيانات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك "مؤشر التضخم" منذ ابريل الماضي دون حتى بيان اسباب توقفها عن اصدار بيانات مهمة تتعلق بمؤشر يقيس بيانات الغلاء واتجاهات الإنفاق.أولوية المطالب
الأمثلة على الآثار السلبية للشعور الزائف بالرفاهية في (المجتمع - الاقتصاد) الكويتي عديدة، يتعلق معظمها بتردي مستوى الخدمات كالتعليم والصحة، مما يجعل بعض الاسر تنفق اموالا طائلة على التعليم الخاص او الخدمات الصحية الخاصة رغم توفرها مجانا في القطاع العام، لكنها تفضل دفع ضريبة سوء او ضعف الخدمة المجانية , فالاولوية اليوم مع التوازن النسبي - وربما المؤقت - لاسعار النفط وإعادة هيكلة المطالبات، ليس بغرض تكرار اخطاء الماضي كالحصول على مزايا مالية اضافية، انما في اتجاه الضغط لتحسين الادارة العامة التي تدير مختلف اوجه متطلبات الرفاهية.
إنفاق مرتفع على التعليم والطرق و«الأعمال» والنتائج مخيبة عند المقارنة بدول العالم
«الإحصاء» توقفت عن إصدار بيانات «التضخم» دون بيان الأسباب
الكويتي صاحب تاسع أفضل دخل سنوي في العالم لا يستطيع شراء منزل
«الإحصاء» توقفت عن إصدار بيانات «التضخم» دون بيان الأسباب
الكويتي صاحب تاسع أفضل دخل سنوي في العالم لا يستطيع شراء منزل