أنا أعرف أنه في بداية ثمانينيات القرن المنصرم ظهرت على سطح الأحداث المحلية آنذاك قضية إحدى موجهات وزارة التربية الكويتية، والتي قيل عنها إنها كانت تعمل راقصة قبل قدومها إلى الكويت بطلب من أحد الوكلاء المساعدين في وزارة التربية للعمل كموجهة في الوزارة، وقد أغلق هذا الملف في حينه إلى غير رجعة لأسباب لا يتسع المجال لسردها اليوم، إلا أن هناك ضباعا جائعة تتلذذ في البحث في الدفاتر القديمة وفي نبش قبور فساد مسؤولين دفنوا ودفنت معهم ملفاتهم قبل أربعة عقود، دون أن يفترضوا أن هذه الراقصة (الموجهة) التي كانت مطلوبة لسد نقص شديد في مدارسنا خلال تلك الحقبة، لم يكن ليدفعها إلى ممارسة مهنة الرقص لولا الفاقة والحاجة وضيق الرزق، حتى تابت إلى الله، بل إن الله عز وجل يؤكد في الآية الكريمة بقوله "وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، وإذا كان الله عز وجل يتحدث في محكم كتابه الحكيم عن البغاء، فما بالك بأمور أخرى محرمة شرعاً كالرقص، حتى إن كان البعض يراها أخف وطأة من البغاء؟

قبل أيام شاهدت مقطع فيديو لبرنامج تلفزيوني يقدمه الإعلامي المبدع عمار تقي، مستضيفاً النائب والوزير الأسبق جاسم العون متحدثاً عما أشرت إليه أعلاه، مختتماً كلامه بالرد على تعقيب الأخ عمار عن احتمالية إعلان تلك الراقصة توبتها، فيقول السيد العون: "لا تعنينا توبتها، هذا بينها وبين رب العالمين، إحنا علينا من سلوكها السابق". حينها تذكرت الفنان عادل إمام في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) عندما قال للقاضي: "لو كل واحد عزل علشان تحتيه ساكنه رقاصة، البلد كلها حتنام في الشارع".

Ad

يبدو أن هناك من يرى في نفسه قاضياً للحكم على سلوكيات الناس السابقة، وبهذا سيدخل الجميع في دائرة الاتهام بطريقة أو بأخرى، وهذا يذكرني بمقولة سيدنا المسيح، عليه السلام، حينما أتى قومه بامرأة متهمة بالفاحشة، وأرادوا أن يشاركهم المسيح في رجمها ليحرجوه "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، فلم يرجمها أحد محدثين أنفسهم: نعم... من منا بلا خطيئة؟

وإذا كان السيد العون لا تعنيه توبة متهمين بالفساد في وقت سابق، ولا تهمه نيلهم عقوبات مشددة، فهذا يعني أن كل المسؤولين سيكونون عرضة للاتهام، من منطلق أنه لا يوجد إنسان كامل في أخلاقه أو سلوكه، ولأن الكمال لله وحده سبحانه، كما أنني، وأنا الفقير الى الله، أستطيع أن أعد قائمة تشمل أسماء مسؤولين كبار في الدولة، بتفاصيل ما جنته أيديهم من الفساد خلال توليهم مناصبهم الحساسة، منذ عقود إلى يومنا هذا، وأعتقد كذلك أن السيد العون، وبحكم مناصبه السابقة، يعرف بعضهم- إن لم يكن كلهم- وسمع عن فسادهم الأخلاقي، تماماً كما سمع عن فساد هذا الوكيل المساعد، فمن منا لم يسمع عن الفساد الأخلاقي لمسؤولين كان بالإمكان محاسبتهم ومحاكمتهم في حينه، لولا أنهم احتموا وراء تياراتهم الدينية، وتدثروا بأحزابهم السياسية، وتواروا خلف قبيلتهم وحملوا بيارق طائفتهم، لأننا نعرف أن أقل أنواع الفساد تأثيراً وأكثرها انتشاراً بين مسؤولين كبار هو التحرش الجنسي؟

● يوسف عبدالكريم الزنكوي