إن من أفضل القرارات التي اتخذتها أخيرا للوقاية الصحية في المدارس عمل مجموعتين دراسيتين متناوبتين، فهذه الفكرة، وإن كان هدفها غير المراد منه، تعد الأمثل في تكوين بيئة دراسية منضبطة، وذلك بسبب تقليص عدد الطلبة، فكلما قل عدد الدارسين زاد نصيب كل طالب من اهتمام المعلم، فالأعداد القليلة تعين المعلم (المربي) على معرفة طلابه أكثر ومعرفة احتياجاتهم واهتماماتهم والإصغاء لهمومهم ومشاكلهم، فالهدف من التربية ليس تلقين المعلومات فحسب، بل عملية تربوية وتواصل إنساني أبوي بين المعلم وأبنائه الطلبة، فكلما قلت المجموعة زاد وضوح رؤية المعلم لطلابه.

وكذلك الحال مع إدارة المدرسة، فحضور نصف الطلبة يوميا يعين الإدارة المدرسية على ضبط النظام المدرسي وتوفير بيئة آمنة،

Ad

ولكن للأسف ظهرت لنا مشكلة أخرى لم تكن في الحسبان، وهي إعفاء معلمي المواد العملية من التدريس وإحالتهم للإشراف المدرسي! ويبدو أن الذي اقترح هذا القرار قد غفل عن أن احتياجات الطلبة للمواد الاختيارية أكثر بكثير من المواد الإلزامية، فهي مواد جاذبة للمدرسة وممتعة للطلبة، وفيها تحرر من قيد الحفظ والامتحانات، فهي مواد مرتبطة بالمشاعر والوجدان، تركز على شخصية الطالب وكيانه وتفاعله مع زملائه، عن طريق الرياضة أو الأعمال الفنية أو المهارات اليدوية، وأما التركيز على الحفظ والتلقين فلن يبني لنا شخصية قوية متوازنة.

فالتربية عبارة عن مزيج متكامل من البناء المعرفي والشخصي والأخلاقي، ولو أخذنا التربية البدنية على سبيل المثال لوجدنا أنها تقدم فهْماً آخر لتحمل المسؤولية والقيادة، بأسلوب حماسي شيق، فهي تُعلِّم الطالب كيف يوزع الأدوار، لتكوين فريق متفاهم متناغم يحرص على العمل الجماعي ويرفض الأنانية، وتساعدنا في إخراج المهارات الجسدية واستغلال الذكاء الحركي، وتحويله إلى بطولات رياضية، فقد يفرح الفريق بزميلهم ويحملونه على أكتافهم لمجرد تسجيل هدف، أو إنقاذهم من هدف محقق، فهل تعلمون كم تساوي هذه اللحظات؟

في المدارس والكليات الأميركية يتكفلون باللاعب الجيد أو الفنان الموهوب، ويتحملون تكاليف دراسته، مقابل أن ينظم لفريق الكلية الرسمي، فهل تعتقدون أن هذا عبث، أم جهل في التربية؟

أرجو من وزارة التربية أن تهتم أكثر بهذه المواد العملية، وأن تحسب درجاتها في المعدل، وأن تؤخذ بطريقة جادة كبقية المواد، ففي هذه المواد العملية والفنية سمات خاصة ومهارات لا توجد في المواد الأساسية، فالمواد غير المحسوبة في المعدل لن تؤخذ بجدية.

وكذلك أتمنى أن يتواصل العمل بهذه الخطة نفسها، وألا ترجع الدراسة بشكل يومي، إلا إذا زدنا المعلمين الأكفاء وتوسعنا في الفصول، ليكون في كل فصل بحد أقصى خمسة عشر طالبا، فالمعلم المربي مهما كان متميزاً ومعطاءً لن يقدر أن يكون أباً لثلاثين طالبا! فهل هدفنا التربية أم حشو المعلومات؟

● د. محمد عبدالرحمن العقيل