هناك نظرية تسمى "نظرية النافذة المكسورة" معتمدة على تجربة لعالم النفس والاجتماع الفرنسي فيليب زمباردو، أجريت هذه التجربة في عام 1969، لتصبح من أشهر دراسات علم الجريمة والعلوم الاجتماعية.

العالم قام بترك سيارتين بأبواب مفتوحة، ومن دون أرقام تدل عليهما في منطقتين مختلفتين الأولى في حي فقير والأخرى في حي راق، بدأ المارة في الحي الفقير بسرقة وتخريب السيارة في بضع دقائق، وتم تدميرها بالكامل في غضون ثلاثة أيام.

Ad

أما في الحي الراقي فلم يحصل شيء للسيارة، مما أرغم العالم زمباردو على كسر إحدى نوافذها، وكانت المفاجأة أن بدأ سكان الحي الراقي بسرقة وتدمير السيارة وتحويلها إلى خردة خلال المدة نفسها التي استغرقتها في الحي الفقير.

وفي عام 1982، تابع عالمان آخران دراسة العالم زمباردو، فقاما بإجراء دراسات مماثلة على مبان وممتلكات أخرى، في مناطق مختلفة واستحدثا بناء عليها "نظرية النافذة المكسورة"، وهي تتلخص بأن إهمال معالجة أي مشكلة في بيئة ما، بغض النظر عن صغر حجمها، سيؤثر في مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكل سلبي مما يؤدي إلى مشاكل أكثر وأكبر، والعكس صحيح أيضاً، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع سيؤدي الى بيئة أفضل وسلوك أقوم.

الذي أثار الاهتمام في هذه الدراسات، أن الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتعمد للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين، وكان معظمهم من عامة الناس ومن المواطنين الملتزمين بالقانون، ومع ذلك فإن "النافذة المكسورة" أرسلت رسالة خفية توحي بأنه لا أحد في داخله يهتم بما حوله إذا كان من بيده السلطة لم يهتم، وعلى الأرجح لأنه في الأصل لم يعاقب من قام بالإتلاف أو الكسر، أو حتى التزوير والرشوة.

فإذا ترك أحدهم قمامته في حديقة عامة ولم يعاقب على فعلته، فإن ذلك سيؤدي الى قيام أشخاص آخرين بالفعل نفسه في الحديقة ذاتها وفي غيرها وستتحول الحدائق إلى مكبات قمامة ينفر الزوار منها، كما هي الحال اليوم في بعض المتنزهات العامة، وإذا سمح معلم لأحد الطلاب بالغش في امتحان مادة ما، فسيكون الغش مقبولاً في امتحانات أخرى ومن طلاب آخرين في جميع مستويات التعليم، وهذا هو الحاصل فعلا.

فتجاهل الأخطاء الصغيرة دون حلها في التو واللحظة، أو من دون عقاب فوري، سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير في المستقبل، بل الى فوضى عارمة، تتحول الى ثقافة أمة وشعب، وفي الواقع فإن الكثير من القضايا الصحية والبيئية والاجتماعية التي نواجهها في يومنا هذا كانت بسبب تراكمات في الماضي لأفعال وسلوكيات مغلوطة صغيرة تم تجاهلها، ولم تعالج في حينها.

وهذا انطبق على الفساد الذي عم واستشرى، عندما غض الطرف عن فساد بسيط ارتكب في مكتب أو دائرة، فانتقل بين الدوائر والوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، فانتشر كالشرارة في الهشيم، فلا تتهاونوا مع مستصغر الشرر.

ملحوظة: منقولة بتصرف، ومقتبسة من نظرية "النافذة المكسورة".

● طلال عبد الكريم العرب