غداة قرار مماثل من السعودية والبحرين، أعلنت وزارة الخارجية، في بيان أمس، أن «دولة الكويت قررت استدعاء سفيرها لدى الجمهورية اللبنانية للتشاور، ومغادرة القائم بأعمال سفارة لبنان لدى الكويت خلال 48 ساعة».

وأكد البيان أن «القرار يأتي نظراً لإمعان الجمهورية اللبنانية واستمرارها في التصريحات السلبية، وعدم معالجة المواقف المرفوضة والمستهجنة ضد المملكة العربية السعودية الشقيقة وبقية دول مجلس التعاون، إضافة إلى عدم اتخاذ الحكومة اللبنانية الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات الى الكويت وبقية دول المجلس».

Ad

وأضافت أنها «إذ تأسف لما آلت إليه الأمور، فإنها في الوقت ذاته لتؤكد حرصها على الأشقاء اللبنانيين المقيمين في الكويت وعدم المساس بهم».

وذكرت أن «ذلك يأتي بناء على البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية بتاريخ 24 أبريل و14 و27 أكتوبر 2021، واستناداً إلى ما يربط ةالكويت والسعودية من جذور تاريخية وروابط عميقة ومصير مشترك».

وقال مصدر رفيع في وزارة الخارجية إن الإجراء الكويتي يقتصر حتى الآن على مغادرة القائم بالأعمال اللبناني واستدعاء السفير في بيروت، إلا أن هناك تنسيقا خليجيا متواصلا حول أي تدابير أخرى.

وأمس الأول، أعلنت الحكومة السعودية استدعاء سفيرها لدى لبنان للتشاور، وطرد السفير اللبناني لديها، ووقف جميع الواردات اللبنانية إليها، مما سيتسبب بحسب خبراء اقتصاديين في خسائر سنوية تصل الى 92 مليون دولار.

كما طلبت البحرين من السفير اللبناني لديها مغادرة المملكة خلال 48 ساعة، حسبما أفاد بيان نشرته وكالة أنباء البحرين (بنا).

وأمس نقل سفير السعودية في لبنان وليد البخاري، في تغريدة له، عن وزارة الخارجية السعودية، أن «حكومة المملكة العربية السعودية تؤكد حرصها الدائم على المواطنين اللبنانيين المقيمين الذين تعتبرهم جزءا من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين في المملكة».

لا إقالة... ولا استقالة

في المقابل، بدا أن الحكومة اللبنانية ليست بوارد إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي أثار الأزمة بتصريحات له حول حرب اليمن، زعم فيها أن السعودية والإمارات تشنّان عدواناً على المتمردين الحوثيين. وبعد مشاورات مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مساء أمس الأول أجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً بقرداحي، وطلب منه «تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية».

وفي حين غادر ميقاتي الى غلاسكو، لحضور قمة المناخ، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد يجتمع مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اجتمعت خلية الأزمة الحكومية في وزارة الخارجية، بحضور ممثل عن القائم بالأعمال الأميركي وممثل عن رئيس الجمهورية.

وعقب الاجتماع، أكد ​وزير التربية​ ​عباس الحلبي​ أن «العمل الحكومي مستمر، ولا يمكن ترك البلد من دون حكومة بالنظر إلى الأزمات التي يعيشها»، لافتا إلى «إن أملنا كبير بأننا قادرون على التوصل لحل هذه الأزمة قريباً».

وقال: «كل ما نطالبه فتح أبواب الحوار، لأن هذا السبيل الوحيد لحل جميع المشاكل»، مشدداً، على أن «الموضوع قيد المعالجة، ونتطلع إلى ساعات قليلة لمعالجة تداعيات الأزمة».

أما وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، فقد كان أكثر وضوحاً، وأكد صحة تقارير إعلامية أشارت الى اتصالات فرنسية طلبت من ميقاتي التريث وعدم الاستقالة.

وقال بوحبيب: «الجهات الدولية التي تواصل معها رئيس الحكومة طلبت منه عدم التفكير بالاستقالة». وأكد أنه «جرى التواصل مع الأميركيين لحضور الإجتماع، لأنهم قادرون على معالجة الأزمة الراهنة».

وكانت صحف لبنانية نقلت عن مصدر فرنسي رفيع أن باريس تجري اتصالات على أعلى المستويات مع الرياض لتهدئة ردة فعل السعودية إزاء حكومة ميقاتي، ومنع المزيد من التدهور في الأوضاع بلبنان.

وكشف بوحبيب أن «القائم بالأعمال الأميركي في بيروت ريتشارد مايكلز الذي حضر اجتماع اللجنة الوزارية لبحث الأزمة مع السعودية، لم يحمل أي اقتراحات للجانب اللبناني»، لافتا إلى أن «تحرّك القائم بالأعمال الأميركي جاء بعد تواصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الجانب الأميركي».

وأشار الى وجود «حلول تتبلور وستظهر نتائجها قريباً»، معتبرا أن «استقالة قرداحي قرار يملكه وحده».

عون

وأكد رئيس الجمهورية ​ميشال عون حرصه على «إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع السعودية الشقيقة، ومأسّسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، بحيث لا تؤّثر عليها المواقف والآراء التي تصدر عن البعض، وتتسبّب بأزمة بين البلدين لا سيّما أنّ مثل هذا الأمر تكرّر أكثر من مرّة».

واعتبر الرئيس عون انه «من الضروري أن يكون التواصل بين البلدين في المستوى الذي يطمح إليه لبنان في علاقاته مع الرياض وسائر دول الخليج».

فرنجية وحزب الله... التحدي

وعقب بيان حزب الله، العالي اللهجة الذي صدر الخميس الماضي، ورفض فيه استقالة قرداحي، زار رئيس ​تيار المردة​​سليمان فرنجية​، البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي، معلناً استمرار تغطيته لوزير الإعلام المحسوب عليه سياسياً.

وقال فرنجية بعد اللقاء: «قرداحي​ عرض عليّ أن يُقدم استقالته من ​بكركي​ ومن ​بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية)،​ وأنا رفضت، لأنّ ضميري لا يسمح لي أن أطلب ذلك من وزير لم يخطئ»، مؤكدا «إنني أقف إلى جانب قرداحي بكل قرار يأخذه، وأنا لم آت به وزيراً لأقدّمه فدية لأحد».

وفي الوقت نفسه، قال فرنجية المقرّب من دمشق تاريخياً والحليف المسيحي الأقدم لحزب الله، إنه يتمنى الاستمرار بأفضل العلاقات مع الدول العربية.

أما مدير مركز الارتكاز الإعلامي، ​سالم زهران​، المقرب من أوساط حزب الله، فقد كشف أن قرداحي أبلغ ميقاتي أنه لا ينوي الاستقالة، كاشفًا أنّ «الحكومة كانت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار لولا الاتصال الذي حصل بين ​بيروت​ و​الإليزيه​، الذي أعط جرعة للحكومة، وقال الفرنسيون إنهم سيدخلون على الخط من أجل تسوية ما في لبنان».

وشدّد زهران على أن «​حزب الله​ لن يترك قرداحي وحيدًا، وإذا أصرّ على الاستقالة، فلن يقبل حزب الله أن يستقيل».

وأوضح أن «بقاء الحكومة رهن لمدى تحمّل رئيسها الضغط في الأيام المقبلة، التي ستشهد المزيد من الضغط الخليجي اتجاه لبنان».

رؤساء الحكومات

وغداة بيان شديد لرئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، دعا فيه الى تحرير لبنان من إيران، دعا رؤساء الحكومات السابقون، ​فؤاد السنيورة​، والحريري​ و​تمام سلام​، الوزير قرداحي للمسارعة الى الاستقالة، معتبرين أن استمراره في منصبه «أصبح يشكّل خطراً على العلاقات اللبنانية - العربية، وعلى مصلحة لبنان وعلى مصالح اللبنانيين في دول الخليج العربي وفي العالم».

وإذ دانوا تصريحات الوزير وتبريراته «الخارجة عن الأصول والأعراف والمواثيق العربية والدبلوماسية والأخلاقية»، أكد الرؤساء أن «لبنان لم يعد قادرا على تحمّل الضربات والانتكاسات المتوالية التي وقعت وألمت به نتيجة انحراف السياسة الخارجية للبنان بشكل مخالف للسياسة التي أعلنت الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن التزامها بها لجهة النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، وذلك بالانضمام إلى المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، وكذلك من خلال الدور التدخلي والتدميري الذي اضطلع به حزب الله​ منذ انخراطه في الأزمات والحروب العربية، انطلاقاً من التورط بالحرب السورية، ومروراً بالتورط في أزمة العراق وفي الكويت، ووصولاً الى التورط في حرب اليمن التي تشنها إيران على السعودية وعلى دول الخليج».

«التيار الوطني»

من ناحيته، أسف «التيار الوطني الحر» لـ «الأزمة العميقة التي تؤثّر منذ فترة على العلاقة مع السعوديّة خاصةً ومع ​دول الخليج​ عامةً»، ودعا لبنان والسعودية والدول العربية الى «القيام بمراجعة ذاتيّة، وبدء حوار صادق، صريح ومباشر، على قاعدة الأخوة، وفي ضوء التحوّلات الكبيرة الحاصلة، لتحقيق المصالحة الشاملة وتنقية العلاقات وتجديدها بما يؤدي الى مأسستها واستقرارها ونموها، فلا يعود ‏للآراء أو المواقف الفَردية أيّ تأثير سلبي عليها».

ورفضت الأمانة العامة لشؤون الانتشار في حزب "القوات اللبنانية"، أمس، "الخطاب الجاحد بحق الشعب العربي عموما، والسعودي خصوصا، هذا الشعب الذي فتح أوطانه، وقلوب أبنائه لاستضافة اللبنانيين، ليصبحوا جزءا كبيرا من هذا النسيج الشعبي، فشاركوهم أعمالهم وأفراحهم وأتراحهم".

وطمأنت، في بيان، "اللبنانيين المنتشرين في ​دول الخليج​ العربي، لا سيما بعد الاتصالات التي أجراها الحزب برؤساء هذه الدول والمسؤولين فيها، الذين طمأنوا بدورهم بألا تحصل أي ردات فعل غير مستحبة بحق أي لبناني مقيم بالدول العربية طالما أنه يلتزم بالقوانين المرعيّة الإجراء فيها".

أبوالغيط

وفي القاهرة، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية​، أحمد أبوالغيط، عن «بالغ قلقه وأسفه للتدهور السريع في العلاقات اللبنانية - الخليجية».

ولفت إلى أن «الأزمة كان يتعين أن تعالج لبنانياً بشكل ينزع فتيلها، ولا يزكي نارها على نحو ما حدث وأوصل الأمور الي انتكاسة كبيرة».

وأكد ثقته «بحكمة وقدرة ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ على السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية التي يمكن أن تضع حدا لتدهور تلك العلاقات»، كما ناشد المسؤولين في دول الخليج بـ «تدبّر الإجراءات المطروح اتخاذها، بما يتفادى المزيد من التأثيرات السلبية على ​الاقتصاد اللبناني​ المنهار، والمواطن الذي يعيش أوضاعاً غاية في الصعوبة».