4 دول خليجية تسحب سفراءها من لبنان... وتلويح بالمزيد
• رداً من الكويت والسعودية والإمارات والبحرين على تصريحات قرداحي المسيئة
• ميقاتي أمام التضحية بوزير إعلامه أو بحكومته... واتصالات أميركية ـــ فرنسية للتهدئة
بعد الانهيار السياسي والمالي والاقتصادي، دخل لبنان في انهيار لعلاقاته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع دول الخليج العربي، في أخطر أزمة من نوعها منذ عام 2015 عندما انخرط «حزب الله» في حرب اليمن ضد السعودية، مما دعا دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات مشابهة في ظل حكومة الرئيس تمام سلام، لكن الأزمة الحالية التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي المسيئة للسعودية، تبدو أشد خطورة وقتامة في ظل «السقوط الكبير» الذي يعيشه لبنان. وانضمت الكويت والإمارات، أمس، إلى السعودية والبحرين في سحب السفراء والدبلوماسيين من بيروت. وأعلنت «الخارجية» الكويتية، في بيان، استدعاء سفيرها لدى بيروت للتشاور، ومغادرة القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الكويت خلال 48 ساعة.وأكدت الوزارة أن «القرار يأتي نظراً لإمعان الجمهورية اللبنانية واستمرارها في التصريحات السلبية، وعدم معالجة المواقف المرفوضة والمستهجنة ضد المملكة، وباقي دول مجلس التعاون، إضافة إلى عدم اتخاذ الحكومة اللبنانية الإجراءات الكفيلة بردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة للمخدرات إلى الكويت وباقي دول المجلس».
وأضافت أنها «إذ تأسف لما آلت إليه الأمور فإنها في ذات الوقت تؤكد حرصها على الأشقاء اللبنانيين المقيمين في دولة الكويت وعدم المساس بهم».أما الإمارات، فقد أعلنت سحب دبلوماسييها من لبنان ومنعت مواطنيها من السفر إلى هناك، مؤكدة أنها لا تقبل بنهج بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه السعودية. وأمس الأول، أعلنت الحكومة السعودية استدعاء سفيرها لدى بيروت للتشاور، وطرد السفير اللبناني لديها، ووقف جميع الواردات اللبنانية إليها، مما سيتسبب، بحسب خبراء اقتصاديين، في خسائر سنوية تصل إلى 92 مليون دولار. كما طلبت البحرين من السفير اللبناني لديها مغادرة المملكة خلال 48 ساعة، حسبما أفاد بيان نشرته وكالة أنباء البحرين (بنا).واتُّخذ قرار الدول الخليجية الأربع، على أن يبحث ملف العلاقة مع لبنان ككل على طاولة مجلس التعاون، ثم طرحه على جامعة الدول العربية، وسط شروط خليجية وعربية واضحة ليتمكن لبنان من الحفاظ على علاقاته، عنوانها «تغيير جذري» لسياسته الخارجية، التي وضعته في صف المحور الإيراني ضد العرب. وقال مصدر رفيع في وزارة الخارجية الكويتية، إن الإجراء الكويتي يقتصر حتى الآن على مغادرة القائم بالأعمال اللبناني واستدعاء السفير الكويتي من بيروت، إلا أن هناك تنسيقاً خليجياً متواصلاً حول اتخاذ أي تدابير أخرى، في وقت كشفت مصادر دبلوماسية خليجية أن الأمر يتوقف على الحكومة اللبنانية والفرقاء السياسيين وكيفية تعاطيهم مع هذه الأزمة، وبناء عليه تتقرر طبيعة الإجراءات الأخرى.وفي لبنان، انقسمت الحكومة على نفسها، رئيسها نجيب ميقاتي وبعض الوزراء اقترحوا استقالة قرداحي، لكن الأخير ومن خلفه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وحزب الله رفضوا الاستقالة. ولوّح الحزب بأنه في حال استقال قرداحي سيستقيل الوزراء الشيعة من الحكومة، مما يعني أن الحكومة ستسقط بـ «الضربة الميثاقية». وفي وقت توجه ميقاتي إلى غلاسكو للمشاركة في قمة المناخ، إذ من المتوقع أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «عراب» الحكومة، قال وزير الخارجية عبدالله بوحبيب إن اتصالات ميقاتي مع مسؤولين في عدد من الدول أظهرت وجود معارضة لاستقالة الحكومة التي شُكلت الشهر الماضي بعد تعثر استمر 13 شهراً.وفي ظل اتصالات للقاء بين ميقاتي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، شارك القائم بالأعمال الأميركي بنفسه في اجتماع خلية الأزمة الحكومية التي كلفها ميقاتي بمتابعة التطورات. واستدعي الدبلوماسي الأميركي لطلب المساعدة، خصوصاً أن هناك رهاناً على موقف أميركي - فرنسي يوفر الحماية للحكومة، ويوجِد صيغة للتهدئة الخليجية. وبعد الاجتماع، قال وزير التربية عباس الحلبي إن البلد لا يحتمل استقالة الحكومة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وتشير المعلومات إلى أن ميقاتي كان يفضل تجنّب الأزمة باستقالة قرداحي، وعرض الأمر على رئيس الجمهورية ميشال عون الخميس، لكن الأخير فضل ترك القرار لقرداحي وللتيار السياسي الذي سمّاه وزيراً. والجمعة تغير موقف عون وأبلغ بعض المحيطين به أنه لا يمانع استقالة وزير الإعلام، وأجرى بالفعل اتصالاً مع «حزب الله» بهذا الشأن. في المقابل، قال فرنجية، أمس، من بكركي حيث اجتمع مع البطريرك الماروني بشارة الراعي إنه «في حال استقال قرداحي لن أسمّي وزيراً بدلاً منه، ولن يقدم قرداحي كبش فداء لأحد، وإذا استقالت الحكومة فلن نكون قادرين على تشكيل أخرى قبل نهاية العهد». وبات الأمر يتوقف على كيفية تعاطي الحكومة مع الوقائع المستجدة لمنع إجراءات خليجية جديدة. وارتسمت في هذا الصدد 3 سيناريوهات: الأول، استقالة قرداحي وهو ما سيكون مقدمة للتهدئة والعودة إلى فتح باب الحوار مع الدول العربية لتصحيح مسار العلاقات، ويقول ميقاتي في أوساطه، إنه سيحاول انتهاز هذه الأزمة كفرصة لإعادة تجديد العلاقات.السيناريو الثاني هو عدم الاستقالة، وهو يهدد الحكومة بالانفجار وقد يجبر ميقاتي على تقديم استقالته في حال تصاعدت الضغوط، أما الثالث، فهو بقاء الوضع على حاله، ما يعني أن تصعيداً جديداً سيحصل وإجراءات خليجية أخرى ستتخذ سيكون لها آثار سلبية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وسيكون لبنان دخل مجدداً في سياق الاشتباك الإقليمي. وضغط ميقاتي في سبيل استقالة قرداحي، وإلا فسيستقيل بنفسه، فالتقى الراعي قرداحي في بكركي طالباً منه الاستقالة، ورد وزير الإعلام بأنه لا يتمسك بمنصبه وحريص على المصلحة الوطنية لكنه بحاجة إلى التشاور مع مرجعيته السياسية لاتخاذ القرار المناسب، وعليه فإن لبنان أصبح بين خياري التضحية بقرداحي أو التضحية بالحكومة كلها.