كانت وقفة إيجابية تلك التي برزت فيها السيدة المناضلة رزان زعيتر بقولها: "نحن حركة خضراء شعبية لنا شركاء كثيرون، يسعدنا أن نضع خبراتنا وطاقاتنا مع مبادرة السعودية الخضراء، إلى أن تمتد أشجارنا من الخليج إلى المحيط". لماذا رزان زعيتر بالذات، علماً أن هناك المئات الذين شاركوا في قمة الشرق الأوسط الخضراء في الرياض، لسبب بسيط وواقعي؟

خبرتها في هذا الشأن تمتد إلى 35 سنة، بعد تأسيس شركة سنابل لهندسة الحدائق والتصميم الحضري، ثم تأسيس الجمعية العربية لحماية الطبيعة، والأهم من كل ذلك أنها كانت وزوجها الخبير الزراعي اللبناني حسن جعجع وراء حملة المليون شجرة في فلسطين والقافلة الخضراء في الأردن ومقترح "طريق الشجر العربي" الذي وافقت عليه لجنة مكافحة الجوع في جامعة الدول العربية.

Ad

ما هو جدير بالتقدير تلك المساهمة التي حققتها على الأرض وبفرق تطوعية ومبادرات متتالية، أنها أعطت الأمل للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت احتلال استيطاني، يأكل الأخضر واليابس ويحرم المواطن الفلسطيني من أبسط وسائل العيش، وهي شجرة الزيتون في المقام الأول وغيرها من الأشجار، بحجة بناء مستوطنات ومصادرة أراض.

وعلى مدار عشرين سنة حققت نتائج مرضية على الأرض، يحيث بلغ عدد الأشجار المزروعة مليونين و600 ألف شجرة في مختلف أنحاء فلسطين والأردن واستفاد من المشروع أكثر من 32 ألف مزارع يعيلون أكثر من 230 ألف فرد.

مشروع "رزان وجعجع" عمل على مواجهة الجوع والفقر وانعدام الأمن الغذائي، وساهم في تثبيت ابن فلسطين في أرضه من خلال تأمين مصدر رزق له ولأسرته والحفاظ على بقاء الأرض بيد أصحابها. يعني باختصار كان مشروعاً ناجحاً ومثمراً وذا جدوى بمقارعة الاحتلال بغرس المليون شجرة وهذا يكفي.

اليوم تطرح السيدة رزان ابنة أكرم زعيتر فكرة "أشجارنا من المحيط إلى الخليج" ومن منظور مختلف آخر، وكذلك مشروع "طريق الشجر العربي" على غرار طريق الحرير الصيني، وهو ما يتماشى مع مبادرة المملكة العربية السعودية التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشروع زارعة 50 مليار شجرة داخل المملكة وفي بلدان الشرق الأوسط، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

زراعة 50 مليار شجرة تأتي في مبادرة غير مسبوقة لإعلان مساهمة أكبر دولة منتجة للنفط وشركائها في منطقة الخليج العربي، في الحملة الدولية لحماية المناخ والتقليل من حجم الانبعاثات الكربونية، والسعودية تدخل اليوم على خط مكافحة التغير المناخي بقوة وفاعلية بعد أن كانت في دائرة الاتهام في زيادة الانبعاثات الكربونية أثناء عمليات إنتاج وحرق النفط.

مبادرة المملكة العربية السعودية، وكما وصفها رئيس جماعة الخط الأخضر، والناشط البيئي الأكثر حضوراً في الكويت والخليج العربي خالد الهاجري، بأنها تدخل ضمن اللاعبين الكبار في مواجهة تغير المناخ، ويعتبر ذلك "اختراقا خليجيا لدبلوماسية المناخ وتغيير قواعد اللعبة السياسية في مؤتمرات المناخ العالمية"، بل يعزز دور منطقة الخليج العربي وحضورها في الساحات الدولية.

العالم الآن يتجه نحو الاقتصاد الأخضر، وهو يشهد تحولات عميقة وجذرية، سواء باستبدال التقنيات المستخدمة أو المواد الأحفورية أو غيرها من الوسائل.

سيكون من الأهمية بمكان النظر إلى الحفاظ على الموارد المائية في مشروع زراعة الـ50 مليار شجرة، من خلال تغطية 60% من المياه المستخدمة من مياه الصرف الصحي المعالجة، فالمنطقة العربية والخليجية بالتحديد تعاني وبشدة فقر المياه الطبيعية لذلك يتحتم عليها مراعاة هذا الجانب. إن أزمة المناخ تهدد بتوجيه ضربة مزدوجة لمنطقة الشرق الأوسط، فمن ناحية هناك تراجع بالدخل المالي من النفط مع تحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة غير مؤاتية للحياة! ومن ناحية أخرى فقر مائي شديد، تزداد فيه المنطقة جفافاً وتتعرض إلى نقص شديد في المياه ونزوح سكاني قائم... وما يشهده العراق وسورية أبسط مثال على ذلك.

هناك سباق كارثي في منطقتنا التي تتأرجح بين ارتفاع درجات الحرارة ومعاناة توفير المياه، وازدياد نسبة التصحر في الأراضي، من أجل كل ذلك كان مشروع الـ50 مليار شجرة إحدى بوابات الأمل التي تقودها المملكة للحد من الكوارث المنتظرة.

● حمزة عليان