في إحدى النكات السوفياتية من حقبة السبعينيات، يعيد المكتب السياسي الحياة إلى ستالين ليسأله ماذا ينبغي له أن يفعل لمكافحة الركود الاقتصادي وخيبة الأمل الواسعة الانتشار إزاء الـمُـثُـل الشيوعية، يقترح ستالين برنامج من جزأين:

أولا، قتل كل الشيوعيين رميا بالرصاص.

Ad

ثانيا، طلاء الكرملين باللون الأخضر.

يتساءل أعضاء المكتب السياسي المصدومون: "لماذا اللون الأخضر؟". يرد ستالين مبتسما: "كنت متأكداً أن أحداً لن يسألني عن الجزء الأول".

نظرا للقمع المتزايد الذي تجيزه الدولة واستخدام التعذيب في روسيا اليوم، لم تعد هذه النكتة تبدو بعيدة عن الواقع أو قديمة، ففي استطلاع أجري في شهر مارس، قال 52% من المستجيبين- وهذه أعلى نسبة في تاريخ روسيا على الإطلاق بعد العهد السوفياتي- إنهم يخشون عودة حكم الطغيان والاستبداد، لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الحكومة الروسية تتبع الآن اقتراح ستالين الثاني وتحول الكرملين إلى اللون الأخضر.

بالطبع، لا تزال قلعة القرن الخامس عشر في وسط مدينة موسكو مطلية باللون الأحمر، لكن سادتها راحوا فجأة يتحدثون لغة "إزالة الكربون"، ففي الثالث عشر من أكتوبر، صرح الرئيس فلاديمير بوتين في إطار أسبوع الطاقة الروسي أن روسيا تعتزم أن تصبح محايدة كربونيا بحلول عام 2060، بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعشر سنوات، ولكن في الوقت ذاته مع الصين.

الواقع أن هذا تغير بالغ الضخامة، لأن روسيا تتجنب تقليديا تحديد أهداف مناخية طموحة. صحيح أن روسيا وعدت بموجب اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 بالحد من انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي إلى 70% أو 75% من مستوياتها في عام 1990 بحلول عام 2030، ولكن لأن انبعاثاتها في عام 2015 كانت عند نصف مستوى عام 1990 فقط، فقد سمح ذلك التعهد لروسيا بزيادة الانبعاثات في حقيقة الأمر.

في يوليو 2019، دافع بوتين في مناسبة شهيرة عن الوقود الأحفوري مدعيا أن طاقة الرياح تسببت في إحداث أضرار بيئية ألحقت الأذى بالطيور والديدان. (كان هذا، على أية حال، تحسنا عن خطاب ألقاه في عام 2010 قال فيه إن طاقة الرياح لا تؤذي الطيور والديدان فحسب، بل أيضا حيوان الخلد). وفي ديسمبر 2019، قال بوتين: "لا أحد يعرف حقا أسباب تغير المناخ".

علاوة على ذلك، في يونيو 2020، تبنت روسيا استراتيجية طاقة مدتها 15 عاما افترضت عدم حدوث أي تغير في إنتاج النفط حتى عام 2035 ونموا غير عادي في إنتاج الفحم والغاز. لم تذكر الوثيقة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلا بالكاد ولم تحدد أية أهداف كمية لهما، ولم تخطط الحكومة حتى لإنشاء نظام لمقايضة الانبعاثات. ما الذي تغير إذاً منذ العام الماضي؟ بادئ ذي بدء، من الواضح أن الاتحاد الأوروبي- الشريك التجاري الرئيسي لروسيا- أصبح أكثر جدية بشأن أجندته الخضراء، ففي يوليو كشفت المفوضية الأوروبية النقاب عما يسمى "استراتيجية لائق لنسبة 55"، التي تشمل سياسات تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي في الاتحاد بنسبة 55% مقارنة بمستويات 1990 بحلول عام 2030. يخطط الاتحاد الأوروبي بشكل خاص لتقديم آلية تعديل الحد الكربوني، الذي ستفرض ضريبة على بعض الواردات الكثيفة الكربون من خارج الكتلة.

لأن آلية تعديل الحد الكربوني المقترحة لا تغطي النفط والغاز، فمن المرجح أن يكون تأثيرها الاقتصادي الكلي على روسيا محدودا للغاية، ولن يتجاوز 2 مليار يورو (2.3 مليار دولار أميركي) سنويا وفقا لتقديرات مستقلة، ونحو مليار يورو سنويا وفقا لحسابات الحكومة الروسية، وحتى التقديرات الأعلى تعادل أقل من 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالتأثير الذي يخلفه تقلب أسعار النفط العالمية على ميزانية الحكومة. مع ذلك، تُـعَـد الشركات الروسية التي ستتضرر بآلية تعديل الحد الكربوني- مثل الشركات التي تصدر الصلب والألمنيوم والأسمدة- من القوى السياسية المهمة التي تمكنت من إقناع الحكومة والرئيس بالتعامل مع تغير سياسات الاتحاد الأوروبي بجدية.

السبب الآخر وراء اندفاع بوتين الواضح في اتجاه إزالة الكربون هو أن قضية تغير المناخ تقدم لروسيا الفرصة للتخفيف من عزلتها الدولية، إن تغير المناخ مشكلة عالمية، لذا يأمل الكرملين أن يضطر الغرب في التصدي لها إلى التعامل مع روسيا وربما إصلاح بعض العلاقات المقطوعة. على سبيل المثال، دعـا مبعوث بوتين لشؤون المناخ صراحة إلى إنهاء العقوبات المفروضة على شركة غازبروم وغيرها من الشركات الروسية التي تتولى تنفيذ مشاريع خضراء.

يبدو أن تحول الكرملين الأخضر جدير بالثقة، فهذا الصيف، أنشأت الحكومة سبعة فرق عمل مشتركة بين الهيئات المختلفة وكلفتها بإعداد استراتيجية شاملة لإزالة الكربون. في سبتمبر أَقَـرَّ البرلمان الروسي أول قانون في البلاد للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي من قِـبَـل الشركات الكبيرة، وفي العام المقبل، ستطلق روسيا أول برنامج تجريبي لمقايضة الانبعاثات على جزيرة سخالين، التي تطمح إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2025.

لكن في الوقت الحالي، هذه مجرد تصريحات وخطط؛ أما الواقع على الأرض فهو مختلف تماما، فبينما تواجه أوروبا أكبر ارتفاع في أسعار الغاز الطبيعية خلال أكثر من عشر سنوات، يلقي بوتين باللوم عن هذه الأزمة على نفاد صبر أوروبا للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة التي تعتمد بشكل كبير على الطقس.

تنفي روسيا أنها تسببت في هذه الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز، وقد اعترف الاتحاد الأوروبي بأن روسيا تفي بعقود التوريد الطويلة الأجل، لكن الاتحاد الأوروبي قـلِـق إزاء احتمال امتناع غازبروم عن توريد أي غاز إضافي، على الرغم من ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء، وهو ما قد يشير إلى إساءة استخدام القوة الاحتكارية وربما يؤدي إلى استفزاز تحقيق من قِـبَـل المفوضية الأوروبية. ربما ساهم إفراغ غازبروم مرافق التخزين الأوروبية أيضا في نمو الأسعار، وما يزيد الطين بلة أن بوتين عَـرَضَ في الحادي والعشرين من أكتوبر زيادة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا شريطة السماح بتشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي سينقل الغاز بشكل مباشر إلى ألمانيا، وبالتالي يتجنب المرور بأوكرانيا.

إن التناقض بين سياسة الطاقة التقليدية التي تنتهجها روسيا وحديثها الجديد حول إزالة الكربون شديد بدرجة مذهلة، لكن أزمة الغاز الحالية من غير المرجح أن تقنع أوروبا بالإنصات إلى بوتين والابتعاد عن الطاقة المتجددة. على العكس من ذلك، ربما أصبح لدى الاتحاد الأوروبي الآن حافز إضافي للتعجيل بالتحول الأخضر والتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي.

في النهاية، سيؤدي هذا أيضا إلى تقليل الطلب على وقود روسيا الأحفوري، وإجبار الكرملين أخيرا على التعامل بجدية مع ضرورة التحول الأخضر.

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، ورئيس الكلية الاقتصادية الجديدة في موسكو سابقا، وهو أستاذ الاقتصاد في معهد باريس للدراسات السياسية (Sciences Po).

● بروجيكت سنديكيت - سيرجي جورييف