من الذي يقف في وجه فيكتور أوربان؟
مواجهة فيكتور أوربان مهمة شاقة! تبلغ نسبة الدعم التي يحظى بها ائتلافه نحو 40%، ويُصعّب النظام البرلماني على أحزاب المعارضة تحقيق أي اختراق، وبحلول عام 2018، أدركت جميع أحزاب المعارضة (ينتمي معظمها إلى معسكر اليسار) أنها تعجز فردياً عن تغيير الوضع، لذا بدأت تطرح مرشحين مشتركين وحققت بعض النجاح في المرحلة الأولى حين فاز غيرغلي كاراتشوني برئاسة بلدية بودابست، ثم اتفق المعارضون في أواخر السنة الماضية على اختيار مرشّح مشترك لرئاسة الحكومة خلال انتخابات الربيع المقبل، وفي نهاية الأسبوع الماضي، أصبح بيتر ماركي زي الذي يأتي من خارج الأوساط السياسية مرشّحهم الرسمي.تتعلق نقطة قوة ماركي زي بقدرته وحده على استمالة الناخبين الريفيين المسيحيين المحافظين، حيث تواجه المجر مشكلة، أكثر من بريطانيا نفسها، لأنها تشمل عاصمة ضخمة ونخبة معاصرة تبدو منفصلة بالكامل عن الناس العاديين، إذ يقيم 80% من المجريين في المناطق الريفية، فاستغل أوربان المشاعر المعادية لبودابست ببراعة، وتشكّل الفئة التي تحمل هذه المشاعر قوة أساسية في السياسة المحلية منذ أيام إمبراطورية هابسبورغ. أمضى ماركي زي معظم فترات حياته في بلدة "هودميزوفاسارهيلي" الجنوبية الصغيرة، وتأمل أحزاب المعارضة أن تُجرّد صورته الريفية المثالية أوربان من هيمنته في أرياف المجر.في الوقت نفسه يفتخر ماركي زي بإيمانه الكاثوليكي، وهو يحتفل بأولاده السبعة وبزواجه القائم منذ 27 سنة من حبيبته منذ الطفولة. حتى الآن، بقي الناخبون المتدينون موالين لأوربان، لكن لا يبدي ماركي زي انزعاجه من التديّن، على عكس خصوم أوربان الاشتراكيين والليبراليين سابقاً، لطالما أحبّ أوربان التقاط صوره في الكنائس كي يطرح نفسه كأول مدافع عن إرث أوروبا اليهودي المسيحي.
لكنّ المسألة السياسية الأكثر تأثيراً اليوم تتعلق بالمزاعم المرتبطة باستفحال الفساد الذي سمّم السياسة المجرية منذ عام 1989. بما أن ماركي زي لا ينتمي إلى الأوساط السياسية، من المتوقع أن يُطرَح كبديل "نظيف" (مع أن السنوات الثلاث التي أمضاها كرئيس بلدية ترافقت مع تُهَم بالفساد والمحسوبيات). استطاع ماركي زي أن يهزم كلارا دوبريف التي كانت المرشّحة الأوفر حظاً عبر استعمال هذه الاستراتيجية: دوبريف هي زوجة فيرينك جيوركساني الذي كان رئيس الوزراء بين العامين 2004 و2009. غرقت حكومته في فضائح الفساد ودمّرها الانهيار المالي بالكامل. كان زواج دوبريف أشبه بنسخة مجرية من زواج بيل وهيلاري كلينتون، لذا يُعتبر على نطاق واسع مؤشراً على أسوأ الأيام. كان الحظ حليف ماركي زي حتى الآن، لكنه لن يكفي للفوز بالاستحقاق الحاسم في الربيع المقبل، فلا تزال شعبيته هشة، فهو لا يملك حزباً خاصاً به وترتبط فرص نجاحه وسط معسكر اليسار باحتمال أن يهزم أوربان بكل بساطة، إذا بدأت نِسَب تأييده تتراجع، فسيواجه انتقادات لاذعة، ويشكك السياسيون المجريون من معسكرَي اليسار واليمين معاً بمصداقيته كمسؤول محافِظ: قالت دوبريف إن خطابه القومي الديني يجعله "غير مناسب" لمنصب رئيس الحكومة، أما مناصرو أوربان، فهم يعتبرون مجاهرته بدينه المسيحي مجرّد حيلة، ويسهل أن تترسّخ هذه الادعاءات، وقد يستفيد أوربان من الحماس الذي يبديه ماركي زي تجاه الاتحاد الأوروبي، وتعاطفه مع المهاجرين، ودعمه للمثليين.باختصار، يطرح ماركي زي تهديداً معيناً لكن يتمسك أوربان بطموحاته رغم كل شيء، فهو مقتنع أنه المسؤول الوحيد القادر على الدفاع عن المجر في وجه الاتحاد الأوروبي المتدهور ومخاطر الهجرة الجماعية، كما أنه يحتفظ بدعم وسائل الإعلام، ويملك أموالاً طائلة لنشر رسالته، ويتمتع بخبرة واسعة في الحملات الانتخابية. لقد أصبحت المجر أكثر ازدهاراً خلال العقد الماضي ويظن معظم الناس أن حسّه القيادي يضمن الاستقرار الذي يحتاج إليه البلد، ويُعتبر ترشيح ماركي زي تحدياً مفاجئاً وجدّياً بالنسبة إلى أوربان، لكنّ الرجل الذي سمّاه جان كلود جانكر "الدكتاتور" يجيد الفوز بالانتخابات دوماً.