مرافعة : تدريب الكفاءات القضائية إدارياً
بروز الكفاءات وأصحاب الخبرات الفنية لا يعني قدرتها على إدارة المشاريع وفق نهج مؤسسي وإداري يضمن تطور وتفوق الإدارة أو المنشأة، إنما ينبغي على أصحاب تلك المهن والوظائف الذهنية الاطلاع على علوم الإدارة، وفهم نظمها، والعمل على تطويع فلسفتها مع نهج الأعمال الفنية، بهدف الوصول إلى نموذج يضمن قيادة ذات بُعدين إداري وفني.والمحامون كالقضاة والأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن والوظائف الفنية كرَّسوا حياتهم في الاطلاع والقراءة والبحث العلمي، من أجل رفع كفاءتهم وخبراتهم ومهاراتهم في العلوم التي يشتغلون بها.لكن تلك المهارات الفنية لن يُكتب لها النجاح المؤسسي والمستمر ما لم ترتبط بعلوم أخرى، كالإدارة وعلم النفس والاجتماع، وهي علوم تُكسب أصحاب المهن المقدرة على إدارة المؤسسة الفنية والتعامل مع فريقها والغير بمهارات من شأنها أن تساهم في تطور عمل تلك المنشأة أو الإدارة، كما أن الاطلاع على علوم النفس والاجتماع سيساهم في فهم شخصيات الغير والجمهور، وسيسهل التعامل معهم.
ورغم أن القطاع الذي يتولى أمره المحامون لا يتعدى مكاتبهم، وغالباً ما يختلطون في العمل مع موظفين لديهم ذات الاختصاص، فإن الأجهزة القضائية والإدارات التابعة لها بها خليط من الموظفين الذين يتولون أمر تسيير الأجهزة أو الإدارات التي يتولى السادة القضاة والمستشارون أمر إدارتها بسبب تكليف من السُّلطة الرئاسية، سواء من النائب العام أو مجلس القضاء. وهو الأمر الذي يستدعي من القضاة فهم طبيعة العمل الإداري وكيفية تسييره واختصاص العاملين فيه، وصولاً إلى كيفية التفتيش على أعمالهم والرقابة عليها، لذلك أتمنى من معهد القضاء العمل على إدخال منهج الإدارة ضمن الدورات التي تُمنح للمتدربين بالنيابة أو للسادة القضاة، حتى يتمكنوا من مواكبة العمل حال إسناد أمر الإدارة لهم في النيابات أو التنفيذ أو المكاتب الفنية بالمحاكم.ويتعيَّن بذات الوقت إدخال الموظفين الإداريين بالأجهزة المعاونة للقضاء في دورات وورش قانونية، للتنبيه بخطورة الوظائف التي يقومون بها، والتحذير من عدم التراخي في أدائها أو الإضرار بها بأي شكل من الأشكال، لأن وقوع أخطاء إدارية من بعض الموظفين قد يتسبب في ضياع العدالة أو اهدارها.