رغم أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لم يخرج من اللقاءات العربية والدولية التي أجراها على هامش قمة المناخ في غلاسكو، بتصور واضح للحل، باتت الأزمة اللبنانية - الخليجية المستجدة بيد الوسطاء العرب والأجانب، مع تعذّر إمكانية التوصل الى حلّ سياسي داخلي، يمكن التأسيس عليه للحوار مع الدول الخليجية الغاضبة، وسط تلويح بإجراءات تصعيدية سعودية جديدة، خصوصاً بعد دعوة البحرين، أمس، رعاياها الى مغادرة لبنان فوراً.ووسط سجال حول تقرير صحافي عن عرض الإمارات سفارتها في بيروت للبيع، قال الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله إنه صحيح 100 بالمئة، دون أن يصدر أي تأكيد رسمي له، تتزايد المؤشرات الى حزمة تصعيدية جديدة تصدر بداية عن السعودية، وقد تسير بها دول خليجية أخرى.
وينتظر المسؤولون عودة ميقاتي الى بيروت بعد نيله «جرعة دعم» ليس لشخصه بالذات، بل للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار، لبدء الحوار مع الصندوق الدولي وتنظيم انتخابات. ورغم الأكسجين العربي والدولي الذي نالته الحكومة، عاد الحديث همساً عن إمكانية استقالة وزراء مؤيدين لرحيل قرداحي، وسط انقسام حاد في مجلس الوزراء العاجز أصلاً عن عقد اجتماع بسبب أزمة التحقيق بتفجير مرفأ بيروت. وبعد لقاءاته مع أمير قطر ورئيس الحكومة الكويتية والرئيسين المصري والفرنسي، على هامش قمة غلاسكو، التقى ميقاتي وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، الذي أكد مواصلة واشطن «دعم الجيش والقطاعات التربوية والصحية والبيئية»، ناقلاً «الأهمية والعاطفة الخاصة التي يكنّها الرئيس الأميركي جو بايدن للبنان ولاستقراره وتعافيه، تمهيدا لنهوضه من جديد».وشدد بلينكن، خلال لقائه ميقاتي على «دعم استمرار جهود الحكومة في إعادة الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وصولا الى تنظيم الانتخابات النيابية».بدوره، عرض ميقاتي مقاربة الحكومة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان، رغم الظروف الصعبة على الصعد كافة. كما عرض التحضيرات الحثيثة لإطلاق الخطة الاقتصادية، وبدء التواصل مع صندوق النقد الدولي، طالبا دعم الولايات المتحدة لهذا المسار.والتقى ميقاتي الرئيس الأميركي جو بايدن في غلاسكو، حيث جرت بينهما دردشة قصيرة بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.وقبل عودته، بعث ميقاتي رسائل جديدة الى بيروت، تحديداً لوزير الإعلام جورج قرداحي، لإفهامه أن استقالته هي المفتاح الوحيد المتاح لحل الأزمة، وأن ما طالب به قرداحي وردده أمام مسامع البطريرك الماروني بشارة الراعي بأنه يريد ضمانات بأنّ تنحيه سيعيد الأمور الى نصابها هو مجرد ذريعة، بل أخطر من ذلك يضع الحكومة الائتلافية الهشّة أمام اختبار تقديم ثمن لإرضاء الدول الخليجية المستفزة من التصريحات المسيئة بحقها من جهة، ودفع ثمن آخر لإرضاء حزب الله وخلفه إيران من الجهة الأخرى، علماً بأن الحزب يجب أن يكون حريصاً على الحكومة لأنه جزء منها. وفي هذا الإطار، حذرت مصادر، لوكالة أنباء «المركزية» من أن «يكون الاشتباك المستجد بين بيروت والدول الخليجية، سيتحوّل الى ورقة من أوراق الاشتباك الإقليمي الإيراني - السعودي في المنطقة، بحيث لا يُسوَّى إلا مقابل ثمن إقليمي يتقاضاه المحور الإيراني في ملف آخر. فربط القضية هذه بالقضايا الإقليمية الملتهبة وتحويلها الى كباش غير مباشر بين السعوديين والإيرانيين، عبءٌ ثقيل جدا لن يتمكّن لبنان من تحمّله، وسيكسر ظهره ويقضي عليه وعلى حكومته».
قرداحي
وفيما يشبه ذرف دموع التماسيح، قال قرداحي، أمس، إنه «يدرك تماما ويشعر بمعاناة اللبنانيين في الخارج، وخوفهم من أي إجراء قد يطولهم، لكن المسألة تحوّلت إلى مسألة كرامة وطنية»، مضيفًا «لستُ متمسّكًا لا بمنصب ولا بوظيفة، لكنّ المسألة تعدّت ذلك إلى الكرامات».وفي حديث صحافي، لفت قرداحي إلى أن «كل الموضوع قيد الدرس، وأنا بانتظار عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قمة غلاسكو، لوضع جميع الأوراق على الطاولة والخروج بعدها بقرار متفق عليه بيني وبينه، وبالتالي عندما يعود ميقاتي الذي قد تكون لديه معطيات جديدة بعد اللقاءات التي يعقدها». وأضاف: «نجلس أنا ورئيس الحكومة، ونتخذ القرار في ضوء المعطيات التي قد تكون تكونت لديه».فرنجية
من ناحيته، أكّد النائب طوني فرنجية، أنّ «تيار «المردة يضع المصلحة الوطنيّة قبل كلّ شيء، لذلك لو رأى أن استقالة قرداحي توقف الأزمة، ولو أنّه لم يخطئ، كان سيتشاور معه ربّما، علما بأن قرداحي غير ملتزم بالتيّار، ويتمتع باستقلالية في الأداء والرأي».وأشار، في تصريح صحافي، إلى أنه «إذا كان المطلوب استمرار القطيعة بكل الأحوال أكان مع استقالة أو من دونها، فنحن نفضل القطيعة لا المذلة، ونحن إلى جانب قرداحي في كل ما يفعله»، لافتًا إلى أن «الاستقالة هي أهون الشرور، وبإمكاننا الانسحاب والتفرج، إلا أن المصلحة الوطنية تقود موقفنا».وهاب
من ناحيته، قال رئيس حزب التوحيد العربي، الوزير السابق وئام وهاب، إن «الأمور في المنطقة ذاهبة الى التهدئة، ولا أستبعد زيارات خليجية الى إيران وسورية الى الخليج»، موضحاً أنه «بحسب معلوماتي، حزب الله بدأ بسحب بعض مستشاريه من اليمن».ولفت إلى أن «سورية مقرّ إجباري لعودة الأمور الى طبيعتها في لبنان، ونحن بحاجة الى تسوية لعودة العلاقات الخليجية - السوريّة»، مشيرا إلى أن «من يقول إن حزب الله يهيمن على الدولة لديه خرائط مضروبة»، ومذكراً بأن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، تكلّم عن المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار 5 مرات، ولا يزال القاضي في مكانه، معتبراً أن «ما حصل في عين الرمانة يؤكد أنه غير مسيطر».عون
بدوره، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لوفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع بلدان الشرق الأوسط، خلال استقباله في قصر بعبدا، إن معالجة الخلاف الذي نشأ مع السعودية وعدد من دول الخليج مستمرة على مختلف المستويات، على أمل الوصول الى الحلول المناسبة، مؤكدا أن الانتخابات النيابية ستجرى بموعدها في الربيع المقبل، وفقاً لأحكام الدستور، وأن التحضيرات جارية لكي تتم في أجواء من الحرية والديموقراطية والشفافية.من ناحيته، أعلن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي إزالة لافتة مسيئة لدول الخليج عند الطريق المؤدي الى مطار رفيق الحريري الدولي، مجددا "الحرص المطلق على أفضل العلاقات مع الأشقاء".التحويلات المالية من الخليج لم تتأثر... حتى اللحظة
قالت شركة بوب فينانس الرائدة في التحويلات المالية اللبنانيين إن التحويلات الواردة من الخارج ولا سيما من الدول العربية لم تتأثر بالخلاف القائم بين لبنان ودول الخليج حتى اللحظة، مؤكدة أنها لم تتبلغ أي قرار بوقف التحاويل من أي جهة كانت.بدوره، أشار رئيس حركة الأرض، طلال الدويهي، الى أن الحديث عن وقف التحويلات من السعودية "إشاعات مغرضة"، وتابع: "التحويلات لا تزال مستمرّة بشكل طبيعي من السعودية حتى الساعة، ولا داعي للهلع، والقرار الذي تتخذه الـWestern Union تلتزم به الـOMT".وتؤكد مصادر اقتصادية أنّ تحويلات لبنانيي الخليج تقدر بحوالى 4.2 مليارات دولار سنوياً، مما يعني أنّ لبنان سيخسر شهرياً تحويلات بما لا يقل عن 233 مليون دولار، مما سيؤثر حتماً على سعر صرف الليرة. وأعلنت شركة "DHL" لنقل الطرود العاجلة، أمس الأول، أنها أعادت البريد الذي تسلمته في لبنان لإرساله إلى السعودية يوم السبت الماضي إلى الزبائن في لبنان "تنفيذا للتعليمات السعودية".ويدور حديث عن احتمال صدور حزمة إجراءات سعودية ثانية بحق لبنان في حال لم تحل الأزمة، بينها وقف التحويلات المالية والرحلات الجوية المباشرة. ونفى مطار بيروت أمس الأول تبلغه أي قرار بإلغاء الرحلات من أي دولة.