أثار الخبر الذي نشرته "الجريدة" هذا الأسبوع، بشأن توجه مؤسسة التأمينات الاجتماعية لإشراك المتقاعدين في تأسيس شركات مساهمة بعدد من القطاعات ذات الربحية المجدية، نقاشاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حول مدى منفعة مثل هذا التوجه للمتقاعدين واستدامته، وحتى تأثيراته على الاقتصاد الوطني مقابل التوزيع النقدي لمنح مالية مقطوعة.

ومع التأكيد على وجود مصاعب قانونية تواجه عملية التوزيع النقدي، نظرا لوجود عجز اكتواري يصل الى 20 مليار دينار، أو مصاعب استثمارية لكون الأداء الإيجابي لمحفظة التأمينات للسنة المالية 2021/2020 الذي بلغ 23.1 مليار دولار (ما يعادل 6.3 مليارات دينار) لا يعد ربحاً محققاً، بل هو نمو في قيمة الأصول المدارة، مدعوماً بارتفاع قوي في الأسواق العالمية، ومن غير المتوقع تكراره في السنوات المقبلة، ومصاعب أخرى مبدئية أو مهنية تتمثل في أن تأسيس الشركات يجب أن يرتبط بالحاجة والجدوى، وليس لتلبية مطالب معينة؛ فإنه لا مجال لمقارنة الفائدة بين التوزيع النقدي قصير الأمد والاكتتاب في أسهم شركات تشغيلية ذات عوائد مستدامة.

Ad

فالأول، أي التوزيع النقدي، رغم فائدته قصيرة المدى فإنه محفز على الإنفاق السريع، أما تأسيس الشركات المساهمة التي تشير مصادر في "التأمينات الاجتماعية" إلى أنها ستكون بحدود 5 شركات في قطاعات التكنولوجيا والصحة والطاقة وغيرها، فهي مستدامة وتدعم ما يمكن وصفه بتأسيس "محفظة المواطن الاستثمارية"، وهي محفظة من الأسهم التشغيلية الناتجة عن الاكتتابات العامة التي تطرحها التأمينات الاجتماعية أو أي مؤسسات أخرى بالدولة، كهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو مؤسسة البترول الكويتية.

صرف واستدامة

هنا يدور النقاش حول الفائدة التي يجنيها الشخص أو المتقاعد من الاكتتاب، مقارنة بالتوزيع النقدي، ففيما لا يعرف احد على وجه التحديد الفائدة المستدامة التي تحققت لمحدودي الدخل من المنحة الاميرية لعام 2011 البالغة قيمتها 1000 دينار، والتي يغلب الاعتقاد ان معظمها صرف على مناحٍ استهلاكية أو غير ضرورية، فإن فؤائد أخرى يمكن رصدها لاكتتابات وتأسيس شركات بعضها تحول الى ثروات فقط نتيجة الاكتتاب في تأسيس شركة او بنك ما، من خلال الحصول على المنح السنوية وتوزيعات الارباح النقدية، فتحولت قيمة الاكتتاب بمئات الدنانير في سنة ما الى مئات الآلاف من الدنانير في سنوات لاحقة، بالضبط كما حدث لمؤسسي بنك الكويت الوطني او بيت التمويل الكويتي أو الهواتف المتنقلة (زين حالياً) والمخازن العمومية (أجيلتي).

عوائد مضاعفة

وهذه الفائدة المستدامة ليست قاصرة على الشركات القديمة في الكويت، أو مرتبطة بفترة معينة من غير المتاح تكرارها، بل بالنظر إلى سنوات قريبة نجد أن المكتتب "بالتوازي مع المساهمة في استحقاقات زيادة رأس المال" في تأسيس بنك بوبيان قد حقق اليوم 25 ديناراً كعائد مقابل كل دينار اكتتب به عام 2004، وأن المكتتب في شركة القرين للبتروكيماويات عام 2005 قد حقق 3.5 دنانير مقابل كل دينار في الاكتتاب، أما سهم شركة الاتصالات الكويتية STC فأعطى مؤسسيه الأفراد 8.6 دنانير مقابل كل دينار في الاكتتاب، فضلاً عن أن آخر اكتتابين طرحتهما الدولة للمواطنين عام 2019 نجد أن شركة شمال الزور حققت لمساهميها 2.6 دينار مقابل كل دينار مكتتب، أما شركة البورصة فحققت لمساهميها عوائد بلغت 22 ديناراً مقابل كل دينار تأسيس.

وهذه العوائد المضاعفة لرأس المال المكتتب لم تأخذ بالحسبان التوزيعات النقدية السنوية، التي وزعتها هذه الشركات على مساهميها خلال السنوات الماضية، مما يجعل هذه الاكتتابات للمساهمين خصوصاً من محدودي الدخل أو الطبقة المتوسطة بمنزلة فرصة استثمارية ممتازة ليس من الحصافة التفريط فيها بغية الحصول على مبلغ مالي مقطوع غير قابل للتكرار.

جهد مبذول

ولعل الجهد المبذول أو المطالبات الشعبوية في الحصول على توزيعات نقدية من ارتفاع محفظة التأمينات الاستثمارية أو أية مطالب مالية أخرى من الأجدى تحولها إلى المطالبة بتسريع طرح العديد من الشركات العامة المهملة في أدراج البيروقراطية الحكومية، وهي شركات مخصص للمواطنين فيها حصص محددة توازي نحو نصف رأس المال، وهي ليست شركات تم تأسيسها بغرض توزيع أسهمها بل تمثل فرصاً استثمارية مهمة، باعتبارها موجهة نحو قطاعات واعدة وتشغيلية.

اكتتابات مؤجلة

بالنظر إلى المشاريع المدرجة في هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو خطة التنمية نجد تأخراً لافتاً في تأسيس الشركات العامة المخصصة للاستثمار في قطاعات ذات جدوى تشغيلية مثل الشبكات الضوئية والمصافي والبتروكيماويات والبريد والتخزين والشحن والنقل والمناطق الاقتصادية والعمالية، وكذلك مختلف القطاعات الصحية والترفيهية والاتصالات والتكنولوجيا والبيئة ومعالجة النفايات، وهذه الشركات التي يتجاوز عددها 20 شركة، كلها معتمدة ضمن خطط الدولة دون أدنى مبادرة إلى إطلاقها، مع أنها تحقق قيمة مضافة للقطاعات المراد تطويرها، فضلاً عن تحقيق المنفعة للمواطنين... وأغلب أسباب التأخير في طرح هذه الشركات يتعلق بالبيروقراطية وبطء الدورة المستندية.

عوائق بيروقراطية

بل إن البيروقراطية الحكومية باتت تقلل من جاذبية الاكتتابات، رغم ما بها من أرباح، فالفترة ما بين اكتتاب المواطنين في الكويت بشركة قائمة وإدراجها تصل إلى عام كامل، في حين أن إدراج أسهم شركة ضخمة في سوق الأسهم السعودية بوزن شركة أرامكو لم يتجاوز أسبوعاً فقط، فضلاً عن أن عدم عدالة تخصيص الأسهم بحيث تمنح الأولوية لصغار المكتتبين كان من اسباب انخفاض جاذبية الاكتتابات لدى المواطنين.

تنمية الشعبوية

لاشك في أن تراجع تأسيس الدولة للشركات العامة يعبر من ناحية عن بطء بتنفيذ المشاريع المدرجة في خطة التنمية، ويحفز من جانب آخر على المطالبات الشعبوية التي تنادي بإسقاط القروض أو خفض سنوات التقاعد أو الحصول على توزيعات نقدية من استنزاف أصول محفظة التأمينات، فالكويت لم تطرح منذ 15 عاماً للاكتتاب على المواطنين إلا 4 شركات مساهمة عامة، رغم تكدس أكثر من 20 شركة في خطط التنمية... وهذا التأخير ترتب عليه نمو مطالب شعبوية تعتقد أن الحصول على المال نقداً وبشكل مباشر هو الطريق الوحيد لتحسين المستوى المعيشي.

● محمد البغلي