بعد عودته الى بيروت قادما من غلاسكو، حيث شارك في قمة المناخ، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس، إن لديه خريطة طريق لحل الأزمة الأخيرة مع السعودية، وناشد وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي أثارت تصريحاته المسيئة حول حرب اليمن غضب السعوديين، مرة ثانية «تغليب المصلحة الوطنية»، في دعوة صريحة للاستقالة، إلا أن الأخير رفض مجدداً التنحي عن منصبه، وذلك بعد ساعات من تصعيد كبير لنائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، طالب فيه المملكة بالاعتذار.

والتقى ميقاتي رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، كما زار رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقره بعين التينة، وأجرى معهما مشاورات حول كيفية حل الأزمة الراهنة مع الخليج، خصوصاً أنه يترتب عليها تداعيات اقتصادية مؤلمة.

Ad

ولا يزال عون وبري الى حد كبير على الحياد، في وقت قدّم حزب الله وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وكلاهما ممثل في الحكومة الائتلافية الهشّة، الدعم لقرداحي، بينما دعت قوى لبنانية أخرى بينها حزبا القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، وكذلك نادي رؤساء الحكومات السابقين وشخصيات وقوى سنيّة الى استقالة فورية لقرداحي، كمفتاح لبدء حوار حول سبل حل الأزمة.

وبعد لقائه عون، أشار ميقاتي الى اتفاق على خريطة طريق لحل الأزمة. وخلال كلمة له في إطلاق الرزمة السياحية الشتوية لعام 2021 - 2022 بالسراي الحكومي، قال رئيس الحكومة إن «المواقف الشخصية التي أطلقها وزير الإعلام قبل توليه الوزارة أدخلت لبنان في محظور المقاطعة من المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي»، مضيفاً: «لا تدار البلاد بلغة التحدي والمكابرة، بل بكلمة سواء تجمع اللبنانيين وتوحدهم في ورشة عمل واحدة لإنقاذ وطنهم، ومخطئ من يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر. مخطئ ايضا من يعتقد أنه يمكنه أخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خصوصا، ومع السعودية تحديدا. مخطئ أيضا من يعتقد أنه، وفي لحظة تحولات معيّنة لم تتضح معالمها النهائية بعد، يمكنه الانقلاب على الدستور وإعادة الوطن الى دوامة الاقتتال الداخلي والانقسامات التي لا نزال ندفع ثمنها غاليا حتى اليوم».

وأكد «إننا عازمون على معالجة ملف العلاقة مع السعودية ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة. ولن نترك هذا الملف أبدا عرضة للتساجل وللكباش السياسي، وسنسعى بالتعاون مع جميع المخلصين للعودة عن القرارات المتخذة، بما يعيد صفو العلاقات اللبنانية مع امتداده العربي الطبيعي».

وتابع ميقاتي: «وفي هذا السياق أيضاً، فإنني أكرر دعوة وزير الإعلام الى تحكيم ضميره وتقدير الظروف واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية. ويبقى رهاني على حسه الوطني لتقدير الظرف ومصلحة اللبنانيين مقيمين ومنتشرين، وعدم التسبب في ضرب الحكومة وتشتيتها، حيث لا تعود قادرة على الإنتاج والعمل، وتضييع المزيد من الوقت».

وفيما بدا أنه ضغط على حزب الله، ربما لقبول استقالة قرداحي، تحدّث ميقاتي بشكل مطول عن أزمة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، منتقداً تعطيل حزب الله انعقاد جلسات الحكومة حتى تنحية قاضي التحقيق طارق بيطار عن الملف، أو تغيير مسار التحقيق الذي يعتبره مسيّساً.

وقال في هذا السياق: «بعد شهر واحد من عمر الحكومة، واجهنا أول امتحان على طاولة مجلس الوزراء، بهدف استدراج الحكومة الى التدخل بأمر قضائي لا شأن لها به، مع ما يتركه هذا التدخل من أضرار سيئة على سمعة لبنان والقضاء فيه وعلى التماسك الحكومي تاليا».

وشدد على أن «مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيدا عن الإملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد. ولن يكون مجلس الوزراء أبدا مكانا للتدخل في أي شأن لا يخص الحكومة، وتحديدا في عمل القضاء».

وأضاف «على جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري والتقيد بمضمون البيان الوزاري، الذي حدد القواعد الأساسية لعمل الحكومة وسياستها. وكل ما يقال خارج هذه الثوابت مرفوض ولا يلزم الحكومة بشيء».

وفي إشارة سلبية، قالت مصادر إنه لا تغيير على تعطل جلسات الحكومة بعد اللقاء بين ميقاتي وبري. كما صدر بعد اللقاء بقليل قرار عن محكمة الاستئناف في بيروت، بكف يد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، استجابة لدعوى تقدّم بها الوزير السابق يوسف فنيانوس.

قرداحي يتعنت

وبعد دقائق قليلة من انتهاء خطاب ميقاتي، نقلت قناة الميادين، المحسوبة على حزب الله وإيران، عن قرداحي قوله إنه لن يستقيل ولم يغيّر موقفه.

وفي الوقت نفسه نقل تلفزيون الجديد عن أوساط مقرّبة من قرداحي قولها إن «وزير الإعلام اللبناني ينتظر اتصالاً من رئيس الحكومة ليطّلع منه على مواقف المسؤولين العرب والأجانب، ولمعرفة ما إذا كانت الاستقالة ستلاقي ردة فعل إيجابية خليجية، ذلك أن أي استقالة دون تبدّل في الموقف الخليجي من لبنان تبقى من دون أي جدوى».

قاسم والتصعيد الكبير

جاء موقف قرداحي التصعيدي بعد ساعات من اعتبار نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن «السعودية بدأت عدواناً على لبنان، وعلى الرياض أن تعتذر إلى لبنان». وأضاف «لا أحد يستطيع ليّ ذراع حزب الله والشعب اللبناني، ولبنان ليس مكسر عصا، ويتعامل مع السعودية بنديّة وكدولة مستقلة، ولا نقبل أن تتدخل السعودية بالحكومة».

«الخارجية» ودرون الحوثيين

وبعد التصريحات المثيرة للجدل لوزير الخارجية عبدالله بوحبيب، التي أثارت حفيظة أوساط إعلامية سعودية، أعربت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، أمس، عن «إدانتها واستنكارها الشديدين للمحاولة الفاشلة للاعتداء بواسطة طائرتين مفخختين على السعودية، مؤكدة تضامنها مع المملكة في وجه أيّ اعتداء يطول سيادتها وأمنها واستقرارها ومنشآتها المدنية ومدنييها بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية. وأكدت وزارة الخارجية، في بيان، تضامن لبنان الكامل ووقوفه إلى جانب المملكة، شعباً وحكومة.