الفائزون الجدد في برلمان العراق يغيّرون قواعد اللعبة
قالت مصادر سياسية متطابقة في بغداد وأربيل، إن أكبر الأحزاب العراقية تكثف اتصالاتها مع الكيانات الجديدة، التي حققت مفاجأة في انتخابات الشهر الماضي وحصدت مع المستقلين من أنصارها ما لا يقل عن خمسة وعشرين مقعداً، ويتوقع أن تكون مقررة في تحديد رئيس الحكومة الجديدة، مستندة إلى تيار شعبي واسع دخل حديثاً كعامل جديد في صناعة قرارات البلاد التي تعيش توتراً سياسياً حاداً.وفي حديث، لـ«الجريدة»، أكد سياسي كردي بارز في أربيل أن فوز هذه الكيانات المرتبطة باحتجاجات «حراك تشرين» الشعبي، يؤكد تحولاً لا يمكن الاستهانة به في اتجاهات الرأي العام العراقي، خصوصاً مع تواصل صوت الاحتجاجات منذ عامين، وسقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى، الذين دخلوا مواجهات معلنة مع قوى تقليدية وفصائل موالية لإيران.وقالت مصادر رفيعة في بغداد إن القوى الأساسية تخطب ود الفائزين الجدد، بعد أن أصبح من الواضح أن الحراك الشعبي حصل على مقاعد أكثر من الحلفاء المعلنين لإيران، الذين تلقوا هزيمة كبيرة بخسارة نصف تمثيلهم، نتيجة صداماتهم المتكررة مع حكومة مصطفى الكاظمي، التي تعمل من أجل تعزيز العلاقات مع المحيط الإقليمي والدولي، وتخفيف نفوذ إيران أمنياً وسياسياً.
وسبق للحراك الشعبي أن نجح في رفض سبعة مرشحين مقربين من إيران، بعد شغور منصب رئيس الوزراء مطلع 2020، إثر استقالة عادل عبدالمهدي وسط أحداث القمع التي ووجهت بها الاحتجاجات الشعبية على أداء النظام السياسي.وتتوقع مصادر سياسية رفيعة أن يلعب أنصار الاحتجاجات دوراً مشابهاً في تحديد رئيس الحكومة الجديد، خصوصاً وسط نزاع لا يبدو سهلاً بين كتلة مقتدى الصدر، التي باتت الفائز الأول في الانتخابات، وقوى شيعية أخرى بينها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وفصائل مسلحة موالية لإيران. ونجح المالكي، الذي واجهت سياساته المتشددة معارضة واسعة، في زيادة مقاعده، مقارنة بخسارته الواضحة في اقتراع 2018، لكن هذا التقدم لم يؤهله للطموح بالعودة إلى السلطة، واكتفى بالدعوة إلى وزارة توافقية، في تناغم مع تلميحات طهران بأن على تيار الصدر ألا يذهب بعيداً في تفسير فوزه الكبير، خلال مفاوضات تشكيل الحكومة.وتقول مصادر رفيعة في بغداد وأربيل إن جناح المالكي والفصائل المسلحة الخاسرة تلقيا نصائح مهمة بتخفيف طموحاتهما حول نوع المشاركة في القرار السياسي، بما في ذلك اعتراضاتهما ومظاهراتهما المستمرة في الاعتراض على نتائج الانتخابات واتهام حكومة الكاظمي بتزويرها.وتذكر مصادر شيعية أن طهران بدأت تصغي بشكل أكثر جدية لحديث الوسط السياسي عن تغير عميق في الرأي العام لابد من أن تتكيف معه القوى التقليدية المؤثرة في العراق، لأن الدخول في مواجهة أخرى مع الاحتجاج الشعبي، الذي يحظى بدعم كبير من نخبة البلاد، سيكون مكلفاً للجميع، لاسيما بعد نجاح المحتجين في تحقيق نتيجة مباغتة في الاقتراع، وخوضهم تجربة قد تعزز حصولهم على كتلة كبيرة في أي انتخابات مبكرة من المحتمل أن تجري خلال العامين المقبلين، نتيجة عدم اليقين بنتائج الاقتراع الأخير.ويقول الفائزون الجدد، وهم نخبة جيدة التعليم من النساء والرجال، إنهم سيبقون في المعارضة، ليتفرغوا لملاحقة قضايا الاغتيالات وحقوق الإنسان والفساد المالي، لكن رأيهم في تحديد المرشح لرئاسة الحكومة سيكون مهماً خلال التصويت النيابي.ويذكر هؤلاء أنهم يعارضون تشكيل حكومة توافقية، لأنها عطلت القضاء وسمحت بالفساد. لكن ذهاب الصدر بوصفه الفائز الأول، نحو تحالف أغلبية في البرلمان، سيعني إقصاء أطراف لاتزال جيدة التسليح، ولن تتقبل بسهولة خسارة من هذا النوع.