لبنان المذبوح
منذ سنوات عدة دخل لبنان البلد الشقيق، والشعب اللبناني الشقيق المحب للحياة، دخل في أتون الحروب الداخلية الأهلية والأزمات المتعددة والتي راح ضحيتها الشعب اللبناني، فالتناحر والخلافات بين الجماعات والأحزاب السياسية اللبنانية ودخول المصالح المتضادة بينها، ذهب ضحيتها المواطن اللبناني البسيط. هذه الحروب والنزاعات بين الأطراف اللبنانية دمرت الاقتصاد وتراجعت السياحة وتزعزع الأمن الداخلي خصوصاً بين بعض المناطق اللبنانية بسبب بعض الأحزاب التي تعتبرها جزءاً منها ولا تسمح حتى لقوى الأمن بدخولها، وفي السابق عندما تحدث مشكلة غالبا سياسية يكون تأثيرها الأكبر على المواطن اللبناني البسيط الذي لا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة، وكان يطلق على هذه الحالة اسم لبنان الجريح.أما الآن وعندما وصلت السكين للعظم لزيادة حدة الخلافات والصراعات بين الأطراف اللبنانية فإن الوضع تجاوز مرحلة وصف لبنان بالجريح إلى مرحلة لبنان المذبوح، وهناك فرق بين الجريح والمذبوح، فالوصف الأول (الجريح) يمكن تضميد جراحه، أما إذا استنزف الدم فإن الوضع يختلف ويصل إلى حالة الذبح، وهي المرحلة الأخيرة للموت وسقوط الدولة إلى الهاوية.
آخر مرة زرت فيها لبنان كانت عام 1974 عندما كان لبنان في عزه منارة ثقافية وأدبية وفنية وسياسية وسياحية مميزة، كان الطلبة يأتون إلى لبنان لطلب العلم في جامعاته العريقة، ويأتي السياح للاستمتاع بجماله الساحر وهوائه العليل وطيبة شعبه المحب للحياة. بعد ذلك دخل لبنان في حرب أهلية مدمرة عام 1975 وبدأ الانهيار والاقتتال بين أبناء البلد الواحد أحياناً، وبينهم وبين الغرباء الذين شاركوهم لقمة العيش، وبدأت التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني، وفتحت دكاكين سياسية تتبع تلك الدولة وتأخذ منها الأوامر تمدها بالمال والسلاح، أي أن الوكلاء يقومون بمقام الدول الخارجية التي تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ويأتمرون بأوامرها وينفذون سياستها مما أضر بلبنان وبسيادته الداخلية. وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم عام 1991، رغبت في زيارة البلد الشقيق لأرى ما حل به وبشعبه العزيز على قلوبنا ككويتيين، وقد هالني ما رأيته من مظاهر دمار وخراب في بيروت وغيرها من المدن، خصوصاً في الجبل الذي ذهبت إليه لعلي أرى مناظر جميلة كالسابق، ولكنني أصبت بخيبة وانصدمت لرؤية الأشجار المحروقة والأرض التي طالها الدمار والبيوت التي أصبحت مساكن للأشباح.لقد تساءلت عندما ذهبت إلى بحمدون لعلي أرى الجبل الذي كنت أراه جميلاً بأهله وأشجاره الجميلة وبيوته المطلة على الوادي الجميل، ونسمات الهواء العليل، والغطيطة التي تلف المنطقة مع الغروب، ولكنني لم أجد ذلك فحزنت على البلد الجميل الذي هدمه بعض أبنائه الذين أدخلوا الأجنبي الذي قسمهم وجعلهم أعداء يتقاتلون من أجل السيطرة على القرار اللبناني، ويتلقون الأوامر التي أضرت ببلدهم وشعبهم الذي يحب الحياة. والنتيجة كانت انهيار الاقتصاد بما فيه العملة المحلية والأمن المضطرب وانهيار السياحة وغيرها مما جعل الكثير من اللبنانيين يفكرون بالهجرة للخارج، كل ذلك بسبب الاقتتال بين الجماعات السياسية المتناحرة للحصول على أكبر شيء من النفوذ والسلطة، بينما الدمار حل ببلدهم وهم لا يهتمون بأن لبنان يذبح بأيديهم. لقد أحببنا لبنان عندما كنا صغاراً ونحبه ونحن كبار، أيها اللبنانيون اتقوا الله في بلدكم الجميل، ولا تسمحوا بالجهات الأجنبية أن تدخل بينكم وتفرقكم، وطدوا علاقاتكم بأشقائكم العرب وخصوصاً دول الخليج التي لم ولن تبخل في مساعدتكم، وإن بناء وطنكم والمحافظة على استقلاله وإعادة بنائه هي التي ستعيد لبنان إلى محيطه العربي، واعملوا على إعادة بناء لبنان الذي نحبه وشعبه ليرجع منارة للثقافة والفنون والعلوم والسياحة الجميلة، والله أسأل أن يحفظ لبنان وشعبه الطيب من كل سوء.