رغم إعلان قوات الأمن العراقية حالة الاستنفار القصوى في بغداد، وإغلاقها مداخل المنطقة الخضراء، واصلت الفصائل العراقية الموالية لإيران تصعيدها الميداني لليوم الثاني على التوالي، وحمّلت أمس رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق أول ركن عبدالوهاب الساعدي وقائد القوة الخاصة المكلفة بحماية السفارات والبعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء اللواء الركن حامد الزهيري مسؤولية التعدي على أنصارها الرافضين لنتائج الانتخابات البرلمانية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد.

وفي ظل تناوب قادة الفصائل والأحزاب على التهديد بالقصاص من مستهدفي أنصارهم، كشفت قيادة العمليات المشتركة، أمس، عن أوامر للكاظمي بتشكيل «مقر متقدم لمنع الاحتكاك» يقوده ضابط برتبة عليا ويضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي لإدارة وتأمين منطقة الاعتصام قرب الجسر المعلق في بغداد.

Ad

ودعت القيادة القوات الأمنية إلى «ضبط النفس والالتزام بأفضل الممارسات المهنية لحماية حرية التعبير وحقوق الإنسان»، وطالبت المتظاهرين بـ»الالتزام بقواعد حرية التعبير التي كفلها الدستور».

وغداة ترؤسه اجتماعات مع القيادات الأمنية، أمر الكاظمي بتشكيل لجنة عليا تحت إشرافه شخصياً وضمت في عضويتها أمن الحشد الشعبي للنظر في الأحداث الدامية التي رافقت الاحتجاجات قرب المنطقة الخضراء المحصنة وتسببت بمقتل قيادي في «العصائب» وإصابة نحو 125 آخرين أغلبهم من قوات الأمن.

وقالت قيادة العمليات المشتركة، في بيان أمس، إن «اللجنة باشرت تحقيقاتها فور صدور الأمر للكشف عن الملابسات والتداعيات التي أدت إلى سقوط شهداء وجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية وتقديم المقصرين أمام المساءلة القانونية لتقصيرهم ومخالفتهم أوامر القائد العام الصريحة التي أكدت بصراحة ووضوح على عدم إطلاق الرصاص الحي تحت اي ظرف كان».

وأشار البيان إلى أن الكاظمي «أمر أيضاً بتعويض الضحايا وقرر القيام شخصياً بالإشراف المباشر على سير عمل التحقيق والتدابير المطلوبة والاقتصاص من المعتدي أياً كان أمام القضاء».

مسؤولية مباشرة

وقبل انطلاق مسيرة إلى بوابات المنطقة الخضراء وإقامة مجلس عزاء لقيادي «العصائب»، الذي قتل في الاشتباكات مع قوات الأمن، قالت اللجنة التحضيرية للأحزاب والفصائل، التي يقودها تحالف «الفتح» بزعامة رئيس منظمة «بدر» هادي العامر، في بيان: «ما حصل من تزوير للنتائج بإشراف الكاظمي وبتنفيذ المفوضية ودويلة الشر، لاقى رفضاً شعبياً بمختلف الفعاليات من اعتصامات وتظاهرات سلمية، غير أن المتورطين ومن يقف خلفهم لم يستمعوا إلى صوت الحق وتمادوا ضد التظاهر السلمي بإعطاء الأوامر لإطلاق الرصاص الحي تجاه العزل في بغداد»، محملة «الكاظمي ومن خلفه الساعدي وحامد المسؤولية المباشرة لسقوط العشرات من الضحايا جراء تعاملهم الوحشي».

وتضامناً مع المحتجين قرب المنطقة الخضراء، قطع أنصار الفصائل والأحزاب الخاسرة للانتخابات، أمس، طريق بغداد - كركوك الرئيسي، وهاجم آخرون منزل النائب الجديد ناظم فاهم الشبلي في قضاء غماس بمركز الديوانية، بقنبلة يدوية سببت أضراراً مادية، في ثاني حادث يستهدف نائباً مستقلاً بعد مثل محافظة بابل ياسر الحسيني، الذي أصيب وعائلته بتسمم غذائي تسبب بوفاة نجله الصغير.

الخزعلي والكاظمي

وفي وقت سابق، زار زعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي أمس الأول أنصاره في ساحة الاعتصام واتهم جهازاً أمنياً من خارج القوة المكلفة حراسة المنطقة الخضراء بالاعتداء على المتظاهرين وحمّل الكاظمي المسؤولية عن ذلك، مشدداً على أن دماء الشهداء لن تضيع وسيحاسب كل القتلة.

وكشف الشيخ الخزعلي أن الاعتداءات نفذها جهاز معين من خارج القوة المكلفة بحفظ أمن المنطقة الخضراء، مشدداً على أن «دماء الشهداء لن تضيع وسيحاسب وسيقتص من كل القتلة، وكذلك من أصدر لهم الأوامر كائناً من كان».

وفي محاولة لاحتواء الموقف، اجتمع وفد حكومي رفيع المستوى، فجر أمس، مع الخزعلي، الذي أوضح أن الزيارة جاءت للاطلاع «على الجهود الجارية لتشكيل لجنة مختصة من القوات الأمنية تشارك فيها هيئة الحشد الشعبي للتحقيق في المجزرة بحق المعتصمين السلميين وتحديد الجهات والشخصيات المتورطة بإطلاق النار، متعهدين له بالجدية في عمل هذه اللجنة في الكشف عن المتورطين بهذه الاعتداءات».

وأكد الخزعلي «أهمية الحفاظ على العلاقة بين الحشد الشعبي وإخوتهم في الأجهزة الأمنية الأخرى، وأنها لن تتأثر بتصرفات غير قانونية من شخصيات سياسية وعسكرية»، مطالباً بضرورة تشكيل لجنة قضائية بمستويات عليا لكشف هؤلاء الأشخاص أيا كانت عناوينهم ومناصبهم.

غضب الفصائل

ووزعت كتائب «حزب الله» بياناً تتهم فيه الكاظمي بإعطاء أوامر إطلاق النار على «المتظاهرين العزل وسفك دماء الأبرياء، وأنه وفريقه عازمون على أخذ العراق والعملية السياسية إلى ما لا تحمد عقباه»، معتبرة أن «استهداف المتظاهرين بالعتاد الحي وحرق خيمهم سيزيدان من ثباتهم وإصرارهم على تصحيح مسار العملية السياسية».

وفي تصريح غاضب، كتب قائد كتائب «سيد الشهداء» أبو آلاء الولائي، في تغريدة أمس الأول، «دماء الشهداء أشرف وأطهر من كل مناصبكم التي أطلقتم لأجل الحفاظ عليها النار»، مضيفاً: «تعسا لكم ولمناصبكم ولسوف تقتلعكم دماء الشهداء وترمي بكم في مزبلة التاريخ».

وتوعد الولائي الحكومة وقوات الأمن بقوله: «لقد فتحتم على أنفسكم بابا لن يغلق إلا بإسقاطكم»، مؤكداً أن «الجنة للشهداء والشفاء للجرحى والخزي والعار للقتلة».

ودان الإطار التنسيقي للقوى الشيعية وبشدة «قمع المحتجين واستخدام العنف المفرط معهم وحرق خيامهم، رغم سلميتهم»، مطالباً السلطات القضائية بموقف عاجل ومحاسبة المسؤولين ممن أمر ونفذ أمر إطلاق عليهم، وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها بتوفير الحماية لهم».

وبينما أظهرت مقاطع فيديو عدداً من قادة الميليشيات الموالية لإيران يتقدمهم الخزعلي يحثون على مواصلة التصعيد حول المنطقة الخضراء، قال الإطار: «ندعم حق التظاهر المكفول دستورياً ونقف مع أصوات الجماهير المطالبة بالعدالة والشفافية في احتساب وإعلان نتائج الانتخابات».

كما أدان العامري «حالة القمع البشعة للسلطات الحكومية مع المتظاهرين السلميين المعترضين على سرقة أصواتهم وتزييف النتائج، الذين لم يتجاوزوا حدود الديموقراطية في طرق التعبير عن آرائهم»، مطالباً «السلطات القضائية بالتدخل العاجل للاقتصاص ممن أصدروا أوامر إطلاق الرصاص الحي».

الصدر والتحالفات

وفي حين دعت البعثة الأممية «يونامي» كافة الأطراف إلى ضبط النفس والتمسك بالسليمة ووقف العنف بين المحتجين والقوات الأمنية على مداخل المنطقة الخضراء، قطع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر زيارته لبغداد لإجراء سلسة مباحثات مع القوى السياسية لتشكيل الحكومة وعاد إلى النجف، مستنكراً «العُنف غير المُبَـرَّر ومحاولة إضعاف الدولة المُتَعَمَّـد». وطالب الصدر، الذي قام بزيارة غير معتادة لمنزل رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي في بغداد لبحث تشكيل الحكومة المقبلة، «أتباعه بأن يلتزموا بالهدوء والتحلّي بأعلى درجات ضبط النفس».

وتزامن تصعيد الميليشيات للعنف في بغداد، مع بدء القوى السياسية مباحثات حول التحالفات السياسية المقبلة بانتظار الموقف النهائي من عمليات العد والفرز اليدوي ومصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية للانتخابات.

وبعد لقائه الصدر، بحث رئيس تحالف تقدم، محمد الحلبوسي، مع وفد الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة هوشيار زيباري ثلاثة ملفات، هي تطورات الأوضاع وتبادل الرؤى حول نتائج الانتخابات والتفاهمات والحوارات السياسية للمرحلة المقبلة.