في خضم توتّرات سياسية شديدة أججها تصعيد الفصائل العراقية الموالية لإيران سقف رفضها لنتائج الانتخابات النيابية المبكرة، التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، نجا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من محاولة اغتيال فاشلة بواسطة 3 طائرات مسيّرة مفخّخة استهدفت فجر أمس مقرّ إقامته بالمنطقة الخضراء، التي تشهد تظاهرات واعتصامات منذ أسبوعين لأنصار الفصائل الموالية لإيران، رفضاً لنتائج الانتخابات النيابية، وتطورت الجمعة إلى مواجهات دامية مع القوات الأمنية.

وبعد الهجوم، الذي أسفر عن إصابتين في صفوف الحرس الشخصي له، وتضرر منزله، سارع الكاظمي إلى طمأنة العراقيين على سلامته ودعوتهم إلى التهدئة، وكتب في تغريدة: «أنا بخير والحمد لله وسط شعبي، وأدعو إلى التهدئة وضبط النفس من الجميع، من أجل العراق»، مضيفاً: «الصواريخ الجبانة والطائرات المسيّرة الجبانة لا تبني أوطاناً، ولن تثبط عزيمة المؤمنين، ولن تهزّ شعرة في ثبات وإصرار قواتنا الأمنية البطلة على حفظ أمن الناس وإحقاق الحق ووضع القانون في نصابه».

Ad

وأعلنت وزارة الداخلية أن محاولة استهداف رئيس الوزراء الإرهابية المرفوضة جملةً وتفصيلاً، جرت بثلاث طائرات مسيّرة أسقطت منها قوات الحماية اثنتين، والثالثة هاجمت منزل رئيس الوزراء، وأصابت بعض الموجودين فيه وهم يتلقون العلاج»، مؤكدة أنها تقوم بالإجراءات اللازمة وسط انتشار أمني داخل المنطقة الخضراء وخارجها.

وأشار مدير إعلام «الداخلية»، سعد معن، إلى إجراء «تحقيق واسع، وفرق عمل كاملة تعمل على تسخير جميع الموارد والجهود للوصول إلى الجناة من خلال متابعة وتحديد الكاميرات ومناطق الانطلاق، فضلاً عن الآلية المستخدمة».

وفي حين قامت قوة أمنية برفع أحد الصواريخ غير المنفجرة من مقر إقامة الكاظمي، أكد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول، أنه تمت المباشرة بجمع الأدلة وفتح تحقيق لمعرفة مكان انطلاق الطائرات المفخخة.

ووفق المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، فإن هناك تحقيقا فنيا مشتركا عالي المستوى في وزارتي الدفاع والداخلية والدفاع الجوي، وأيضاً مع السفارة الأميركية، لمعرفة وتتبُّع مسار الطائرات ودور منظومة الـ «سي-رام» في حماية المنطقة الخضراء.

الدولة ورموزها

وعقد الكاظمي اجتماعاً طارئاً مع القيادات الأمنية لمتابعة التحقيق في محاولة اغتياله وتداعياتها، وأيضاً فشل منظومة الدفاع الجوي في صدّ الطائرات المسيرة.

وفي بيان شديد اللهجة، اعتبر مجلس الوزراء أن الجماعات المسلحة تجاوزت على الدولة ورموزها، مؤكداً أن «الاعتداء الإرهابي يعد استهدافاً خطيراً للدولة من جماعات مجرمة، قرأت ضبط النفس ومهنية قوات الأمن ضعفاً، واندفعت إلى التهديد الصريح للقائد العام».

وشدد مجلس الوزراء على أن القوات الأمنية تعهدت بحماية العراق وسيادته أمام كل من تسوّل له نفسه تحدي الدولة، وستقوم بواجبها الوطني في ملاحقة المعتدين، ووضعهم أمام العدالة، وستعمل للكشف عن الجهات المتورطة في هذا الفعل الإرهابي. وختم قائلاً: «من يظن أن يد الأمن لا تصل إليه واهم، فليس هناك كبير أمام القانون».

النظام الدستوري

وبعد زيارته الكاظمي في منزله، رفض الرئيس برهم صالح الانقلاب على النظام الدستوري وجرّ العراق إلى الفوضى، مبينا أن محاولة الاغتيال تجاوز خطير يستلزم الوحدة ومجابهة المتربصين بأمن الوطن.

وأجرى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اتصالا مع الكاظمي، مؤكدا أن هذا العمل «الإرهابي» يستهدف أمن العراق واستقراره، وإرجاعه إلى «حالة الفوضى لتسيطر عليه قوى اللادولة».

وحذّر رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، من وقوف طرف ثالث وراء الهجوم من أجل خلط الأوراق وخلق الفتنة، مطالباً جهات التحقيق بكشف من يقف وراء ذلك ومحاسبته أياً كان.

واعتبر رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي «استهداف منزل الكاظمي عملاً مرفوضاً وتصعيدا في الوضع الأمني العام»، داعياً لمعالجة الأمور بحكمة.

وحذّر رئيس تحالف قوى الدولة، عمار الحكيم، من تعريض هيبة الدولة للخطر والعصف بسمعة العراق أمام العالم»، مؤكداً أن «استهداف رئيس أعلى سلطة تنفيذية يمثّل تطورا خطيرا ينذر بأحداث أخطر».

بدوره، قال رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، «أدين الاعتداء المشبوه، وأدعو إلى الحذر من خلط الأوراق، بالأمس قتل المتظاهرين السلميين واليوم استهداف رئيس الوزراء، لسنا في ساحة قتال يا سادة!! المرحلة حرجة، واليقظة وضبط النفس ضرورة، والحوار والتفاهم والتضامن غدت قضايا وجودية للدولة».

ومن «عصائب الحق» إلى كتائب حزب الله، مروراً بـ «كتائب سيد الشهداء»، شنت الفصائل الموالية لإيران والمنضوية ضمن الحشد الشعبي هجوماً متزامناً على الكاظمي، مؤكدة أن محاولة اغتياله لن تؤثر على اعتصام الرافضين لنتائج الانتخابات عند بوابات المنطقة الخضراء.

وبعد يوم من ظهوره في المنطقة الخضراء، مطالباً بالقصاص من مستهدفي المعتصمين، وصف الأمين العام لجماعة العصائب، قيس الخزعلي، محاولة الاغتيال بأنها «محاولة لخلط الأوراق» وربطها بالتظاهرات والاعتصامات المستمرة أمام أبواب المنطقة الخضراء. وكتب الخزعلي، في تغريدة، «بعد مشاهدتنا لصور الانفجار وملاحظة عدم وقوع ضحايا، فإننا نؤكد ضرورة التحقق منه من قبل لجنة فنية متخصصة وموثوقة، للتأكد من سببه وحيثياته، فإذا لم يكن انفجاراً عرضياً أو ما شابه، وكان استهدافاً حقيقياً، فإننا ندين هذا الفعل بكل صراحة».

وتابع: «حذرنا قبل أيام قليلة، من نيّة أطراف مرتبطة بجهات مخابراتية بقصف المنطقة الخضراء وإلقاء التهمة على فصائل المقاومة».

حزب الله

وقلل المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، أبو علي العسكري، من أهمية الهجوم، وسخر من الكاظمي، في تغريدة، كتب فيها «لا أحد مستعد لخسارة طائرة مسيّرة لاستهداف رئيس وزراء سابق»، مشيرا إلى أن «مَن يريد أن يضرّ بهذا المخلوق فهناك طرق أقل تكلفة وأكثر ضماناً».

وتساءل العسكري عن رد فعل الكاظمي بالقول: «أليست مفارقة أن يدعو إلى الهدوء وضبط النفس؟ إذاً من يجب أن يكون قلقاً؟ ومن فقد السيطرة على نفسه؟»، معتبراً أن «ممارسة دور الضحية أصبح من الأساليب البالية التي أكل الدهر عليها وشرب».

وفيما سبّ المتحدث باسمه، حوب الله، رئيس الوزراء قائلاً: «فليلعنك الله أنت ومن يساعدك»، هاجم العسكري كل عراقي أو حزب أيد الكاظمي، كاتباً: «ألا لعنة الله على من أيّدك».

بدوره، اتهم أمين كتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي، الكاظمي بالتورط في إطلاق الرصاص على المتظاهرين، ووجّه له رسالة في تغريدة، «أقول لك عليك أن تنسى أمرين؛ الأول تكرار مهزلة تجديد رئاستك، والثاني لن تعاد حتى إلى منصبك السابق».

واعتبر المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة الصادقون، محمود الربيعي، أن «الانفجار مصطنع ورمي في الهواء، بهدف إشغال الرأي العام، والتغطية على جرائم الأمس».

وشدد الإطار التنسيقي للقوى الشيعية على أن محاولة الاغتيال لن تؤثر على اعتصام المنطقة الخضراء»، مبيناً أن «خلق بعض الفوضى من خلال قمع وقتل المتظاهرين ثم استهداف المنطقة الخضراء، يهدف إلى فك الاعتصامات حتى تمرر النتائج المزورة، لكن هذا الأمر لم ولن نسمح به».

ورغم بروز بصمات ميليشياتها، انضمت إيران إلى ركْب الإدانات، مؤكدة أن محاولة اغتيال الكاظمي «مؤامرة خارجية» تصب في مصلحة المعتدين على استقرار العراق وأمنه واستقلاله.

وأبلغ وزير الخارجية، أمير عبداللهيان، نظيره العراقي، فؤاد حسين، الذي تلقى العديد من الاتصالات الدولية، أن محاولة اغتيال الكاظمي تستهدف العراق وتخدم فقط مصالح من ضرب أمنه قبل 18 عاماً، مؤكدا موقف إيران الثابت بدعمه.

وكتب أمين مجلس الأمن القومي، علي شمخاني، في تغريدة، أن «محاولة الاغتيال فتنة جديدة يجب التحري عنها في مراكز الفكر الأجنبية، والتي لم تجلب منذ سنوات، من خلال خلق ودعم الجماعات الإرهابية واحتلال البلاد، سوى انعدام الأمن والخلافات وعدم الاستقرار للشعب العراقي المظلوم».

استهداف الدولة

دولياً، سارعت واشنطن إلى إدانة محاولة اغتيال الكاظمي بشدّة، واعتبرتها «عملاً إرهابياً واضحاً استهدف صميم الدولة العراقية». وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، في بيان، «نحن على اتصال وثيق بقوات الأمن للحفاظ على سيادة العراق واستقلاله وعرضنا المساعدة بالتحقيق».

وتلقى الكاظمي اتصالات من عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط استنكروا فيها الاعتداء الإرهابي والتضامن مع العراق لتعضيد أمنه واستقراره، ودعم جهود الحكومة بمحاربة الإرهاب.

وتوالت ردود الفعل المنددة، إذ أعربت كل من السعودية والإمارات ومصر وقطر وتركيا والأردن وإيران ولبنان والبحرين وفرنسا وبريطانيا والبرلمان العربي والأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والأزهر الشريف والاتحاد الأوروبي عن استنكارها وتنديدها بأشد العبارات، لمحاولة الاستهداف الفاشلة للكاظمي، مطالبة جميع القوى السياسية في العراق بنبذ العنف والدعوة إلى التهدئة.

الكويت تؤيد إجراءات العراق لمواجهة الإرهاب

أجرى رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ صباح الخالد، اتصالاً مع نظيره العراقي مصطفى الكاظمي، أعرب خلاله عن بالغ شجبه واستنكاره لمحاولة الاغتيال الآثمة التي تعرض لها فجر أمس.

وأكد سموه خلال الاتصال تأييد الكويت لكل إجراءات العراق لتحقيق الأمن والاستقرار، ومواجهة مثل هذه الأعمال الإرهابية، سائلا المولى عز وجل أن يحفظ العراق وشعبه العزيز من كل مكروه.

كما أجرى وزير الخارجية، الشيخ د. أحمد الناصر، اتصالاً هاتفياً مع نظيره العراقي فؤاد حسين، عبّر فيه عن إدانته لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء، وتضامنهم الكامل مع العراق وشعبه في تعزيز الأمن والاستقرار.

وأعربت وزارة الخارجية، في بيان، عن إدانة واستنكار الكويت الشديدين لمحاولة الاغتيال الإجرامية للكاظمي، معتبرة أنها لا تستهدفه فقط إنما ما تحقق للعراق وشعبه الشقيق من وحدة وإنجازات على كل الصعد.

وأكدت قناعتها بوعي الأشقاء في العراق، لتفويت الفرصة على من أراد بوطنهم ووحدتهم السوء، مشددة على وقوف دولة الكويت إلى جانب العراق، وتضامنها وتأييدها لكل الإجراءات التي يتخذها للحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته.