بعد أيام على احتجاز «الحرس الثوري» الإيراني ناقلة فيتنامية، وإعلانه إحباط محاولة أميركية للاستيلاء على شحنة نفط، في واقعة نفتها الولايات المتحدة، بدأت إيران، أمس، مناورات عسكرية واسعة على سواحلها الجنوبية الشرقية المقابلة للخليج، قبل مفاوضات مرتقبة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في فيينا.

وتشمل التدريبات، التي ينفذها الجيش الإيراني، وحدات برية وجوية وبحرية وطائرات مسيّرة، في منطقة تمتد من مضيق هرمز إلى شمال المحيط الهندي. وذكر الناطق باسم المناورات الأدميرال سيد موسوي أن بلاده توجه رسالة إلى دول المنطقة، مفادها أن طهران «تعلن استعدادها لإحلال السلام والصداقة على أساس قدرات المنطقة، لأن التاريخ أثبت أن دولا أخرى خارج المنطقة تسعى لزعزعة أمنها، وإلى الحرب والاحتلال».

Ad

وأفاد مساعد الشؤون التنسيقية لقائد الجيش حبيب الله سياري بأن المرحلة الرئيسة للمناورات ستنفذ على مساحة أكثر من مليون كيلومتر مربع، مشيرا إلى «استخدام وحدات الاستطلاع والقتال المسيّرة، والقوة الإلكترونية وتشغيل نظام القيادة».

تحذير وحرب

وتأتي المناورات الإيرانية في وقت لم يهدأ القلق الإسرائيلي من تنامي النفوذ الإيراني، ومازال احتمال الحرب قائما في بيئة أمنية لا يمكن التنبؤ بما ستتمخض عنه، مع صعوبة التوصل إلى اتفاق دولي يقيد طموح طهران الذري، وحذر خبراء من حرب بين البلدين، وثمن باهظ سيدفعانه هما والمنطقة برمتها، في حال نشوبها.

ويرى الخبراء أن كلا البلدين يدركان أن تحول «المناوشات الدائرة منذ 3 سنوات»، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، إلى حرب مفتوحة، ليس في مصلحتهما، لكن «إذا تغيرت تلك النظرة في أي من البلدين، فإن ذلك قد يقود إلى نشوبها».

وتشير التقديرات إلى أن طهران قد تقرر دخول حرب مع تل أبيب، لتحويل الأنظار عن مشاكلها الداخلية، كالانتفاضة الشعبية وتدهور الاقتصاد، وقد ترى أن «حربا قصيرة» ضد إسرائيل قد تعود عليها بمكاسب سياسية في المنطقة تفوق المخاطر المترتبة على القتال.

من جهتها، قد تقرر الدولة العبرية أن «حربا سريعة ومدمرة» قد تساعد في نزع الشرعية عن الجمهورية الإسلامية، وزعزعة استقرارها، وتسهم في الحد من نفوذها في المنطقة، فالإسرائيليون يدركون أن قصف مدنهم بوابل من الصواريخ الإيرانية سيكون غير مريح، لكنهم يرون أن الحرب مع إيران لا تشكل خطرا وجوديا، خاصة إذا كان الهدف منها تطوير سلاح ذري.

وسيتوقف أمد الحرب في حال نشوبها، على جملة من العوامل التي من شأنها أن تلعب دورا محوريا في تحديد ذلك، ومن بينها المخزون الصاروخي للفصائل والحركات التي تخوض حربا بالوكالة لمصلحة إيران، وقدرة تلك الجهات على تحمل «الرد الإسرائيلي».

في المقابل، فإن إلحاق إسرائيل أضرارا كبيرة بإيران من شأنه استنفاد النوايا الحسنة لدول الخليج العربي، كما سيعتمد طول الحرب وقصرها على موقف الولايات المتحدة منها.

تنسيق ودعم

يأتي ذلك فيما تستعد واشنطن وطهران لاستئناف مفاوضات فيينا، التي تستهدف إحياء الاتفاق النووي الدولي المقيد لبرنامج طهران النووي، في 29 نوفمبر الجاري.

وأمس الأول، نسقت طهران مواقفها الدبلوماسية مع روسيا والصين بشأن المباحثات المرتقبة، التي تشارك فيها واشنطن، وإن بشكل غير مباشر، بهدف إحياء الالتزام بالاتفاق الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران.

وبعد تأكيد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ونظيره الروسي سيرغي لافروف على ضرورة العودة لنص الاتفاق الأصلي المبرم عام 2015، ذكرت بكين أن الولايات المتحدة يتعين عليها تصحيح تحركاتها المتمثلة في الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا»، عن محادثة هاتفية بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني، أمس الأول، أن الصين رحبت بقرار إيران للعودة إلى المحادثات النووية.

وقال عبداللهيان لوانغ إن إيران ملتزمة بالمحادثات مع مجموعة «4+1» حول إحياء الاتفاق النووي، ومستعدة للتنسيق مع الصين في هذا الأمر.

وأعرب عن تطلعه لــ«حضور الطرف الأميركي والأوروبيين برؤية حقيقية للمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق على وجه السرعة»، لكنه هاجم احتفاظ إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن بنهج إدارة ترامب التي اعتمدت سياسة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية القصوى على طهران.

من جانب آخر، ثمن عبداللهيان دعم بكين التي بادرت بإرسال 120 مليون جرعة من لقاح كورونا لإيران؛ معربا عن ارتياحه للعلاقات الثنائية المتنامية.

مشاكل ومقايضة

في هذه الأثناء، تحدث وزير العمل والشؤون الاجتماعية الإيراني حجت الله عبد الملكي عن «سوء الأوضاع المعيشية وتراجع القدرة الشرائية» في بلاده، مؤكدا أن «المعاناة لا تقتصر على العمال والموظفين فقط بل تشمل حتى كبار المسؤولين والمستشارين والوزراء في الحكومة».

وأضاف عبدالملكي أن «الوزراء أنفسهم يعانون مشاكل معيشية بسبب الأوضاع الاقتصادية والتضخم الحاصل في البلاد». وردا على سؤال حول معرفته بالقوة الشرائية للعمال، قال: «لماذا تقول العمال؟، حتى أرباب العمل وكبار المديرين التنفيذيين والمستشارين، وحتى نحن الوزراء لدينا مشاكل معيشية»، مرجعا الأمر إلى «التضخم المفروض على اقتصاد البلاد في السنوات الأخيرة»، لكنه رفض تحميل الولايات المتحدة كل مشاكل البلاد.

في غضون ذلك، اقترحت الحكومة الباكستانية على إيران مقايضة الأرز الباكستاني بالنفط والمنتجات البتروكيماوية الإيرانية لتفادي العقوبات الأميركية، وجاء العرض الذي قدمه القائم بأعمال وزارة التجارة الباكستانية، خلال اجتماع مع وزير الزراعة الإيراني جواد ساداتي نجاد، في وقت تواجه طهران صعوبة بالغة في بيع محروقاتها، بسبب العقوبات الأميركية الصارمة المفروضة على قطاعها النفطي والمصرفي.