تقارير ديوان المحاسبة... الفائدة في المتابعة
مخالفات وملاحظات تتكرر سنوياً دون معالجة جذرية
رصد «المحاسبة» مخالفات على وزارة التجارة والصناعة، كقصورها عن متابعة ومراقبة الشركات المزاولة للأنشطة العقارية، والتي تسببت في ممارسة شركات عقارية غسل الأموال، والمسؤولية هنا لا تقع على محاسبة الشركات العقارية فقط، بل يجب أن تشمل الوزارة.
... وماذا بعد! في كل عام ينشر تقرير لديوان المحاسبة وتثار بعدها تساؤلات عن ماهية الإجراءات التي يجب اتخاذها بعد صدور هذه التقارير، وكيفية معالجة المخالفات والملاحظات عبر تطبيق عقوبات رادعة على الوزارات والهيئات، فأحد المفاسد يكمن في التساهل بمحاسبة المقصرين.في كل سنة يصدر ديوان المحاسبة تقارير خاصة بالوزارات والهيئات، وفقاً لمتطلبات مجلس الأمة ومجلس الوزراء، مستنداً في ذلك إلى المادة 22 من القانون رقم 30 لسنة 1964، وتتناول التقارير نتائج الفحص والمراجعة على تنفيذ والتزام الوزارات والمؤسسات والهيئات من عدمه ومراجعة الحسابات الختامية لهم، إضافة للتقارير الشهرية.ثم يناقش مجلس الأمة (لجنة الميزانيات) محتوى التقرير مع الجهات المعنيّة، بحضور ديوان المحاسبة، وفي النهاية يعطى فرصة لفترة معيّنة للوزارات والهيئات لإصلاح بعض الأمور كمديونيات الموظفين وغيرها.
شفافية عالية وتقارير منظمة تأتي بعد جهد وعمل كثير من قبل موظفي ديوان المحاسبة، إلا أن هذا الجهد لا يمكن أن يكون تقديره رواتب الموظفين فقط، فكل جهد يوضع لتبيان مواضع الخلل والمخالفات في الوزارات يجب أن يكون تقديره محاسبة علنية للمخالفين، حتى نستطيع أن ننهض بالجهات الحكومية ونعمل على تطويرها، النهوض بالجهات الحكومية يفترض أن يكون الهدف الأساسي من العمل على هذه التقارير.إن تطور وتقدّم الجهات الحكومية ضرورة لا بدّ منها، إلا أن الكويت لن تصل إلى مستوى عال من المهنية في الجهات الحكومية والتقدم إلا بمحاسبة الفاسدين، فهناك الكثير من الأمثلة على الفساد الحكومي في جميع الجهات التابعة لها.
وزارة التجارة والصناعة
رصد "المحاسبة" عدة مخالفات على وزارة التجارة والصناعة، على سبيل المثال قصور الوزارة عن متابعة ومراقبة الشركات المزاولة للأنشطة العقارية (للشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات الشخص الواحد والشركات التضامنية)، مخالفة مثل هذه تسببت في ممارسة بعض الشركات العقارية غسل الأموال، المسؤولية هنا لا تقع على محاسبة الشركات العقارية فقط، بل يجب أن تشمل وزارة التجارة لعدم قيامها بعملها على الوجه الأكمل، وعلى الأمر نفسه سمحت وزارة التجارة لملّاك الشركات العقارية وسماسرة العقار ممارسة النشاطات التجارية كإغلاق وفتح عدة شركات بأسماء أخرى، دون وجود سجل بيانات مالية خاصة بحقوق الغير لدى الوزارة، وهذا الفعل تسبب في التلاعب على المستفيدين ووجود غطاء قانوني لغسل الأموال المخالفة للمادة رقم 14 من القانون رقم 106 لسنة 2013.وزارة المالية
إن مشكلة انتهاء العقود والتراخيص للعديد من المرافق المملوك للدولة من قبل الغير ليست مشكلة حديثة، بل إنه في كل تقرير ينشره الديوان توجد ملاحظات مستمرة على استمرارية الوزارة في ضياع أموال الدولة عن طريق إهمال التجديد للشركات، ففي هذه السنة أضاعت الوزارة إيرادات بلغت 145 ألف دينار، وكان ضياع هذا المبلغ نتيجة لعدم تحصيل نسبة الوزارة بواقع 30 بالمئة من قيمة الدعوم المقدمة من المستثمرين للجمعيات التعاونية خلال فترة الأزمة الصحية (كوفيد - 19)، إضافة إلى قيام الجمعيات التعاونية بإضافة نشاط جديد ذي طابع تجاري، دون قيام الوزارة بتحصيل بدل انتفاع مقابل ذلك، وهذا مخالف للقرار رقم 40 لسنة 2016 بشأن إصدار لائحة بدل الانتفاع بأملاك الدولة الخاصة العقارية ورسوم الخدمات.وساهمت الوزارة عن طريق ضعف دورها في استغلال أملاك الدولة العقارية من قبل شركات خاصة رغم انتهاء العقد، كاستمرار إحدى الشركات بإدارة واستغلال وصيانة بعض المرافق المملوكة للدولة والمبرم عقده بتايخ 28 ديسمبر 2009 بقيمة 372.235 ألف دينار سنويا لمدة 10 سنوات، وساهمت في حرمان الخزانة العامة للدولة من إيرادات بلغت قيمتها 465.294 ألف دينار، نتيجة لاستمرار الشركة بالانتفاع من المرافق التابعة لأملاك الدولة دون وجود غطاء تعاقدي وسداد القيمة الإيجارية المستحقة للوزارة. وأيضا استمرار أحد المستثمرين باستغلال مشروع الواجهة البحرية (سوق شرق)، على الرغم من انتهاء مدته التعاقدية دون وجود سند قانوني، بالمخالفة للمرسوم بقانون رقم 105 لسنة 1980 في شأن نظام أملاك الدولة.تقرير 2014/ 2015
وعلى المنوال نفسه كانت لوزارة المالية سوابق في إضاعت أموال الدولة، ففي ميزانية 2014/ 2015 لم تقم الوزارة بتحصيل القيم الإيجارية عن العقود والتراخيص المنتهية، على الرغم من استمرار المستثمرين بإدارة واستغلال تلك المشاريع وتحقيقهم عوائد مالية وحرمان الخزانة العامة للدولة من إيرادات بلغت عن مشروعين فقط نحو 325 ألف دينار، وعدم إلزام الشركة المنوط بها أعمال تصميم وتنفيذ واستثمار مشروع القرية التراثية بشارع عبدالله الأحمد بتعديل قيمة كفالة الإنجاز البالغة 2.050 مليون دينار حسب التكلفة الحقيقية للمشروع بالمخالفة للبند رقم 18 من العقد، كما أضاعت مبالغ قدرت 3.504.356 ملايين دينار، لعدم احتساب رسوم عن بعض الفترات المستحقة للعديد من الحالات في شأن استغلال الأراضي الفضاء.«كورونا» وضياع الأموال
أما فيما يخص الجائحة، فقد صرفت الوزارة نحو 2.660 مليون دينار لإحدى الشركات مقابل استغلال مباني معرض الكويت كحجر صحي، إلا أن عقد استثمار الشركة قد انتهى، وصرفت الوزارة أيضا 3.794.064 ملايين دينار للعديد من الشركات مقابل وجبات غذائية تم توريدها للمحاجر الصحي دون التحقق من صحة صرف تلك المبالغ، وأعفت أيضا مقاول مشروع إنشاء وإنجاز وصيانة الموقف الشرقي لمبنى مجمع الوزارات من غرامات التأخير البالغة 1.580 مليون دينار، ومن تكاليف المكتب الاستشاري، رغم تأخره في تنفيذ أعمال العقد.الملاحظات والتنبيهات
كثيرة هي الملاحظات والتنبيهات وكثيرة الأرقام على جميع الوزارات والجهات الحكومية بلا استثناء، فمتى نلتمس المعالجة الحقيقية للواقع الحكومي المأساوي، وإلى متى تظل الكويت في حالة تراجع على جميع الصعد، بسبب الإدارات الحكومية غير المهنية وغير المهتمة بحال الكويت والأجيال القادمة؟خلال قراءة التقارير، الحافلة بالفساد الإداري، تتسلل إلينا بعض الأفكار والشكوك حول ما إذا كانت الإدارة الحكومية فعلا مهملة وبليدة تجاه الوطن، أم أن هناك خطة ممنهجة لاستهداف القطاع العام للدولة، فهل يعي الوزراء والقياديون خطورة الإهمال الوزاري والانحدار المهني، أم هم أنفسهم بعيدون كل البعد عن التنظيم والترشيد والتفكير الاقتصادي الصائب؟!