سوزان إبراهيم: أتنفسُ الحياة بطريقة شعرية
أديبة سورية هجرت القصة ولجأت للرواية كفضاءٍ تجريبي
صاحبة تجربة شعرية بامتياز... خاضت تجربة الإبداع القصصي، لكن بعد إنجازها 3 مجموعات هجرتها ولجأت إلى الرواية كفضاء تجريبي، ورغم ذلك فإن الأديبة السورية المقيمة في السويد سوزان إبراهيم، لا تزال تعيش في رحاب القصيدة وتتنفس الحياة بطريقة شعرية.وفي حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، قالت صاحبة "أكواريل" و"صرت الآن غابة"، و"حين يأتي زمن الحب"، إنها شعرت بانتهاء مشروعها في القصة، مؤكدة أن قصيدة النثر زاوية رؤية ورؤيا جديدة ننظر من خلالها إلى العالم، وفيما يلي نص الحوار:
● تتراوح تجربتكِ الإبداعية بين الشعر والقصة. الكتابة في أي من اللونين تكون اختياراً بمحض إرادتكِ أم يفرض الموضوع نفسه ليُولد في حقلٍ إبداعي بعينِه؟- كنت ومازلت أصنّف نفسي شاعرة. أملك تكويناً نفسيّاً ووعيّاً ولا شعوراً يخص كائناً شعرياً ساهمت البيئة التي عشت فيها منذ الطفولة في صياغته. أتنفس أشياء الحياة حولي أسمعها أشمها وأراها بطريقة شعرية ومن كل هذه المُدخَلات تولد قصائدي. ذهبت إلى القصة بشكل قصدي بدايةً. أردت تناول الواقع المعيش ومعاناة الآخرين بطريقة لا توحي ولا تلغز كما في الشعر بل بشيء من المباشرة غير الفجة. لم أفلح تماماً في تناول القصة بعيداً عن الشعر فجاءت لغة المجموعة القصصية الأولى "حين يأتي زمن الحب" شعرية بامتياز على عناصر السرد. تلعب عملية التلقي واختمار الفكرة دوراً في اختيار جنس المولود الأدبي. حين شعرت بانتهاء مشروعي في القصة بعد 3 مجموعات، هجرتها ولجأت إلى الرواية كفضاء تجريبيٍّ بامتياز، ومع ذلك مازال صوت الشاعرة هو الأقوى كما أرى.● قصيدة النثر وهي التطور الطبيعي للشعر، لماذا برأيكِ لا تحظى باستقبال جيد من جانب القارئ العربي العادي، مقارنة بالرواية التي تحظى بشعبية أكبر؟- المشكلة لا تكمن فعلياً في قصيدة النثر بل في قدرتنا على التطور. قصيدة النثر ليست شكلاً شعرياً إنها زاوية رؤية ورؤيا جديدة ننظر من خلالها إلى العالم فلسفة جديدة في تبنّي الأفكار والمعتقدات. إنها نص متحرك ينمو ويستوعب التغيير بينما ينطلق القارئ العربي من قناعات ونماذج وتابوهات ثابتة لا تقبل التغيير بسهولة. القارئ العربي يعتمد موروث الثقافة الشفاهية وما يُطرب الأذن ويُلهب الحماس والأكف والوقفة المنبرية الذكورية، وهذا لا يتوفر في قصيدة النثر التي تتطلب متلقياً غير تقليدي وذهناً يقظاً يلتقط التماعاتها ودهشتها. أرى أن ذائقة التلقي العربية ما زالت ذكورية بامتياز، وقصيدة النثر خصبة ولّادة كأنثى. نحن أمة تهتم بالمرويات والسرديات والحكايات. ثمة من أعلن انتهاء عصر الشعر كديوان للعرب وولادة زمن الرواية ولا يمكننا تجاهل دور المؤسسات التي تقف خلف تشجيع الرواية على حساب الشعر واحتكار الساحة عبر جوائز ضخمة كُرّست لها.● لماذا لا تستوعب الذائقة العربية الأنماط الحداثية في الكتابة بالسرعة ذاتها مثلما الحال في الغرب؟- ثمة هوة كبيرة بين الأفكار والقناعات لدى العرب والحياة العملية التي تغزوها كل وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. للأسف لم يترافق التطور التكنولوجي لدينا بتطور فكري وفلسفي. في عصر ما بعد الإنسانوية والسايبورغ في عصر اللاحدود واللاهوية كفكر وفلسفة من جانب والتصدع والتخندق والانغلاق والعبثية المرّة كواقع، خصوصاً بعد ما أنتجته الحروب المشتعلة على مساحات واسعة من العالم العربي نعيش أزمة تشظٍ ثقافية مخيفة. نحن مشغولون جداً بالمستوى الأدنى من الحياة أي الواقع المتردي، بينما ينشغل الغرب بالمستوى الأعلى أي بالإبداع والفلسفة والنظريات ومراكز البحث. ● سبق أن قلتِ "لا يمكن أن يكون كل ما أقوله في قصائدي عفوياً"، وهذا أمر منطقي، لكن متى تنبع قصيدتكِ بشكل عفوي؟- العفوية نقطة بداية اللحظة التي تضغط زر الإشراقة. العفوية هي الدفقة الأولى صرخة الإحساس الذي ربّيت أظفاره لتبقى طويلة حادّة وسريعة لتترك خدشاً ضوئياً. تتجلى عفويتي في الأفكار التي أسجلها على عجل على هاتفي النقال أو على أي ورقة بمتناول يدي لكن لاحقاً تبدأ العملية القصدية في صياغة نص أدبي جمالي يحمل مخزونه الفكري أو الفلسفي في طبقاته المتعددة التي تتيح للقارئ بمختلف مستوياته أن يعثر على ما يريد. ● المبدع ابن بيئته، لكنك تنقلتِ بين مدن عديدة في سورية قبل انتقالك للإقامة بالسويد... كيف أثرت متعة اكتشاف الأمكنة في كتاباتكِ؟- قضيت معظم مراحل حياتي متنقلة. عمّقتْ مهنتي كصحافية هذا التوجه وكشاعرة زرت مدناً وقرى على امتداد الجغرافيا السورية، إلى جانب عدد من الدول. صار هذا أسلوب حياة. المكان ليس مجرد جغرافيا إنه أكثر وأعمق من ذلك. وقد ساعدني هذا على إلغاء ثيمة الحدود على الأقل في طريقة تفكيري والتركيز على المشتركات. اكتشاف المكان يعني اكتشاف الناس وثقافتهم. حين يرفع الكاتب الأسقف المستعارة عن عقله وأفكاره يدرك جوهر الحياة والوجود كوحدة كونية. أعتبر نفسي كائناً غير منتمٍ ليس بالمفهوم التقليدي الضيق رغم أنني لا أنفي بعضه، أي أنني غير منتمية حتى بهذا المفهوم، أنتمي لفكر لا يهاب التغيير ولا يخشى التجريب وتمزيق الخطوط الحمراء. لا أحكم على الآخر، مهما كان انتماؤه وخلفيته. لا أنطلق من قناعات محدودة ولا أحاسب الناس وأقيسهم وفقاً لطولها وعرضها وعمقها. لست مهتمة بالآخر إلا ضمن نقاط تشابكنا وتقاطعاتنا الفكرية والإنسانية. السفر متعتي الأكثر تأثيراً في بناء شخصيتي وفلسفتي إن جاز التعبير، والتي لعبت دوراً مهماً في تشكيل وعي وبصمة لغتي مادتي الخام في الكتابة.● تُرجمت بعض أعمالك إلى الفرنسية، حدثينا عن أهمية الترجمة في انتشار رؤى المبدعين العرب في فضاءات أرحب.- الترجمة جسر عبور إلى الضفة الأخرى وأجنحة تتيح للنص أن يرتفع ويحلق خارج حدود الجغرافيا واللغة الضيقة. لا أعرف كم يهتم الغرب بمعرفة حقيقتنا وقناعاتنا، ولكن تبقى الترجمة خطوة مهمة وأساسية، وربما الحل الأمثل لنقل ثقافتنا إلى الآخر. يحتاج الأمر إلى مؤسسات ضخمة تعمل على تكريس جهودها في هذا الإطار. الترجمة الجيدة طريقة للحفاظ على توازن ما نسميه بنظرية الأجنحة والجذور حيث ينتمي النص إلى ثقافته الأصلية ويكون قادراً على الطيران خارج حدوده الإقليمية. كل ما يفتح الأبواب على الآخر جيد ومهم بالضرورة.● أعلم أنكِ انتهيت من كتابة رواية جديدة عن الحرب في سورية، فما المشروع الأدبي الجديد الذي تستعدين لخوضه؟- بالفعل، أنجزت رواية في جزأين تتناول يومياتي خلال الحرب التي اندلعت في سورية وغيّرت حياتي وحياة السوريين مرة واحدة وإلى الأبد. الجزء الأول بعنوان "عندما تنفجر الريح بجلدي"، وتُرجمت إلى اللغة السويدية وربما تصدر أخيراً بالعربية، والثاني ما زال ينتظر. ثمة مجموعة شعرية قيد الإنجاز، كما أنني مستمرة في إنجاز ثلاثية الحرب، فالجزء الثالث يتناول الأثر الذي خلفته الحرب في صعيد العلاقات الإنسانية. رواية تستند إلى قصص واقعية لكنها ليست رواية يوميات كما في الجزئين السابقين.
أحمد الجمَّال
قصيدة النثر زاوية رؤية ننظر من خلالها إلى العالم