المرأة أيقونة الحياة في معرض «كوني أنتِ»
لوحات التشكيلي محمد الطراوي تنطلق من الموروث الشعبي
ما أروع أن تنحاز ريشة الفنان إلى قضية استحوذت على اهتمام واسع في عالمنا العربي، وهي حقوق المرأة، لكون الفن أداة مهمة لتوجيه فكر المجتمعات في الطريق الصحيحة، وهذا هو المضمون الرئيس لمجموعة اللوحات التي يحتضنها المعرض الجديد للفنان التشكيلي المصري محمد الطراوي، والذي تحتضنه حالياً قاعة "الباب/ سليم" في متحف الفن الحديث بدار الأوبرا المصرية.
وسط إقبالٍ كبير من جانب عشَّاق الفنون والنقاد والفنانين التشكيليين، افتتح رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري، خالد سرور، أحدث معرض للفنان التشكيلي محمد الطراوي، تحت عنوان "كوني أنتِ"، الذي نجحت لوحاته ببلاغة وبراعة في التعبير عن قضايا المرأة بأسلوب فني عِماده الأساس الريشة والألوان ورؤية فنان تضع حواء في المرتبة التي تستحقها باعتبارها نصف المجتمع، وأيقونة للحياة.وبدت المرأة في حالة شموخ تشبه البنايات العالية، وقد تجلى ذلك في عدة لوحات من بينها تلك التي جرى اختيارها لتكون صورة الملصق الدعائي للمعرض، حيث ظهرت حواء وكأنها جزء من تكوين مدينة كبيرة، ووقفت بزيّ أحمر اللون، وهو لون ساخن يعبِّر عن الحيوية والقوة، بينما تتراص البنايات من ورائها، ومن بينها ما يشبه ظلاً لمرأة أخرى، في دلالة واضحة صاغها الفنان محمد الطراوي بريشته، ليؤكد أن المرأة هي المكوّن الرئيس للحياة في المجتمع، سواء بدت بصورة واضحة مثلما هي في صدر اللوحة، أو خافتة مثل الجندي المجهول في الخلفية.وفي عمل آخر، تظهر بزي شعبي، بما يعكس جانباً راسخاً من هوية المرأة المصرية بزيها التراثي التقليدي، كما هي الحال في المناطق الشعبية أو الريف، بينما بدت، رغم خفوت الملامح في معظم اللوحات، متفتحة مثل الزهرة، وهي تلك الرمزية التي يبدو أن الفنان أراد توصيل معنى من ورائها حين وضع وردة بلون زهري إلى جانب سيدة.
ويعكس اختفاء ملامح النساء في كل اللوحات تقريباً، غياب النظرة الواضحة تجاه المرأة وعالمها وقضاياها، وكأن الفنان يريد أن يجعل المتلقي يدقق النظر ليعيد اكتشاف هذا العالم، الموجود من حوله دائماً، لكنه لا يلتفت إليه أو يكترث به. وإجمالا، وبعد جولة متعمقة في لوحات هذا المعرض، يكتشف المتابع أن جميعها خرج من وحي الموروث الشعبي، وهو ما يتضح من ملابس النساء وإكسسواراتهن، والأجواء العامة لمجمل الأعمال، وهو أسلوب يعتمد عليه الفنان المأخوذ بهذا الجانب المعبّر عن الهوية المصرية.من جانبه، يقول رئيس قطاع الفنون التشكيلية، خالد سرور، إن الفنان الطراوي يستمر في تجربته المرتكزة على الأصالة والشغف بالموروث الثقافي الشعبي والبيئي بسماته الشديدة الثراء في مصر، لافتا إلى أن هذه التجربة غلب عليها انحيازها إلى المرأة في دورها وعالمها وواقعها ورمزيتها، موضحا: "لوحات المعرض تتحدث بلسان بطلاتها في ديناميكية متناغمة تتراوح بين الحركة تارة والثبات تارة أخرى، ويحكمها المضمون والمغزى الوجداني، ويوظف الفنان دلالات كل حالة لخدمة المعنى الفني والجمالي بتفاصيله الحريصة على الاقتران بالرمزية البصرية لدى المتلقي".ويميل الطراوي إلى تقديم المرأة في ثياب من وحي البيئات المصرية بتنوعها ليُعبِّر من خلال ذلك عن تقديره لهن في كل بقعة، واعترافاً بدورهن ومعاناتهن، وقد يشعر المتلقي أحياناً بهن في حالة القلق والانتظار والحزن، لكنه أبداً لن يشعر بهن في حالة خوف، كما يتقن الفنان في مشاهده هذا الخيط الدقيق بين الواقع والخيال، لنجد أعماله بصورة ما بمنزلة بوصلةٍ لحفظ التراث اللامادي والذاكرة الجمعية بين طبقات الشعب المصري ترشدنا وفقاً لسياقه الإبداعي الجميل.وحول انحيازه الدائم للمرأة يقول الطراوي: "المرأة هي محل لأفكار وتصوراتٍ تُطرح على المستويين المرئي والمكتوب، فلم تعد صورتها كما كانت وعاءً يلغي بُعدها الإنساني، وفي حضرة المرأة تتجلى مقامات "كوني أنتِ".. اصنعي حياتك التي ترغبين أن تعيشيها.. اصنعي ذاتك.. ارسمي دروب أحلامك.. أعيدي للحياة رونقها وتوازنها وللورد عطره.. أثبتي للعالم مَن تكوني أنتِ".
كاتب
أعمال المعرض تتحدث بلسان بطلاتها في ديناميكية متناغمة خالد سرور