تصاعد التوتر الى أقصى حد بين بولندا وبيلاروس، بسبب أزمة المهاجرين على الحدود بينهما، حيث تتهم وارسو مينسك بالوقوف وراءها انتقاماً من الضغوط الأوروبية على نظام الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو الذي واجه إجراءات أوروبية حازمة بعد حملة قمع ضد المعارضة.

وحذّر رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي، أمس، من أن الأزمة تهدد أمن الاتحاد الأوروبي برمته، مدافعا عن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها بلاده، ومؤكداً أن «إغلاق الحدود البولندية من مصلحتنا الوطنية، لكن استقرار وأمن الاتحاد الأوروبي برمته هو اليوم على المحك».

Ad

وأضاف: «هذا الهجوم الهجين من نظام لوكاشينكو يستهدفنا جميعاً. لن نخضع للتخويف، وسندافع عن السلام في أوروبا مع شركائنا من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي».

في المقابل، نبهت وزارة الخارجية البيلاروسية، في بيان أمس، وارسو «من اللجوء إلى أي استفزاز لتبرير أعمال حربية جديدة غير مشروعة»، ضد المهاجرين الذين وصفتهم بأنهم «أشخاص مستضعفون غير مسلحين بينهم العديد من النساء والأطفال».

ورفض وزير الدفاع البيلاروسي الاتهامات بتدبير موجة الهجرة، معتبراً أنه «لا أساس ولا مبرر لها» وقال إن وارسو تصعّد التوتر بصورة «متعمدة».

وتعتبر بيلاروس أن بولندا تنشر حوالى 10 آلاف عسكري على الحدود المشتركة من دون إخطارها، مما يشكل برأيها «نشاطاً عسكرياً كثيفاً وانتهاكا للاتفاقات الثنائية».

وأعلنت السلطات البولندية، أمس الأول، أن مئات الأشخاص اتجهوا نحو معبر كوشنيتسا الحدودي، وقد حاولت مجموعة منهم أن تعبر الحدود، متهمة «أشخاصاً مرتبطين بأجهزة خاصة بيلاروسية» بتنظيم العملية.

ونشرت وزارة الدفاع البولندية، في تغريدة، مقطع فيديو يظهر على حد قولها «مجموعة كبيرة» من العسكريين البيلاروس يقتربون من مخيمات للمهاجرين قرب قرية كوشنيتسا البولندية الحدودية.

ونشرت الشرطة المحلية على «تويتر» صور مهاجرين جالسين حول خيم ونيران أضرموها للتدفئة في الجانب البيلاروسي للسياج.

ويتجمع حوالى 4 آلاف مهاجر قرب كوشنيتسا، بحسب أجهزة الاستخبارات البولندية.

وصرح المتحدث باسم الوزير المكلف التنسيق بين الأجهزة الخاصة، ستانيسلاف جارين، للإذاعة البولندية «تشير تقديراتنا حتى إلى أن هناك ربما 12 إلى 15 ألف مهاجر في بيلاروس».

وأكد وزير الداخلية البيلاروسي، إيفان كوبراكوف، أن المهاجرين موجودون على أراضي بيلاروس «بصورة قانونية»، وهم لم يرتكبوا «أي انتهاك للقانون».

وجاء المهاجرون من بلدان مختلفة. ونقلت وكالة الأنباء البيلاروسية (بيلتا) عن مهاجر قوله إنهم أكراد.

ولقي 10 مهاجرين على الأقل حتفهم في المنطقة، 7 منهم من الجانب البولندي للحدود، بحسب صحيفة غازيتا فيبورتشا.

ويتهم الاتحاد الأوروبي لوكاشينكو بتدبير موجة من المهاجرين واللاجئين، معظمهم من الشرق الأوسط، لمحاولة دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، ردًا على العقوبات التي فرضتها بروكسل على بلاده في أعقاب حملة قمع وحشية استهدفت المعارضة.

ووصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) استخدام مينسك المهاجرين بأنه «تكتيك هجين غير مقبول»، بينما طالبت واشنطن لوكاشينكو عن «الاستغلال السياسي والتلاعب بأشخاص ضعفاء».

وطلبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من مينسك «التوقف عن تعريض حياة الأشخاص للخطر»، ملوّحة بعقوبات جديدة من المحتمل أن تُفرض على شركات الطيران التي تجلب المهاجرين إلى بيلاروس لاستغلالها.

وتتهم المفوضية الأوروبية مينسك بتخفيف متطلبات التأشيرات مع بعض البلدان لتشجيع الراغبين في الفرار.

ونالت وارسو دعماً قيماً من برلين. فقد طالب وزير الداخلية في حكومة تسيير الأعمال في ألمانيا، هورست زيهوفر، الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم لبولندا.

وفي تصريحات لصحيفة بيلد الألمانية الصادرة أمس، قال زيهوفر: «بولندا تصرفت حتى الآن على نحو صحيح. إننا بحاجة إلى تأمين بنائي للحدود، ويجب علينا أن ندعم البولنديين في هذا الشأن بشكل علني».

وأضاف: «لا يمكننا أن ننتقد البولنديين لأنهم يحمون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بالوسائل المسموح بها، ولا أعني بالطبع باستخدام الأسلحة النارية، ولكن باستخدام الخيارات الأخرى الموجودة».

واستطرد زيهوفر: «يجب أن نساعد الحكومة البولندية على تأمين الحدود الخارجية. إن هذه في الواقع إحدى مهام المفوضية الأوروبية، وإنني أناشدها الآن اتخاذ إجراء».

وتعتبر ألمانيا مقصدا رئيسيا للمهاجرين، حيث دخل البلاد حتى الآن هذا العام بشكل غير شرعي 8833 شخصا عبر بيلاروس، حسبما ذكرت الشرطة الاتحادية.

وفي موسكو، حليفة لوكاشينكو الرئيسية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب لقاء مع سكرتير الفاتيكان للعلاقات مع الدول، رئيس الأساقفة بول غالاغر، إن حل أزمة الهجرة على الحدود بين بيلاروس وكل من بولندا وليتوانيا، يكمن «في الاحترام الكامل لمبادئ القانون الدولي الإنساني.

وبطبيعة الحال، في عدم نسيان من أين تنمو جذور المشكلة التي تنبع من السياسة التي تتبعها الدول الغربية، بما في ذلك دول «ناتو» ودول الاتحاد الأوروبي، على مدى سنوات عديدة فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومحاولة فرض حياة أفضل على سكانها وفق المعايير الغربية».

وأضاف الوزير الروسي: «مع كل الخطوات التي تجري مناقشتها الآن، يجب ألا ننسى أين بدأ كل شيء، وبذنب مَن يحدث كل هذا الآن».