أكد مسؤولون في الشركات النفطية الخاصة، التي تعمل في الأشغال المساندة محلياً، ضرورة أن تكون إعادة هيكلة القطاع النفطي، ودمج الشركات مرتبطة بتفعيل دور القطاع الخاص، ومنحه دوراً أكبر في النشاط النفطي في البلاد.

ولفت المسؤولون في تصريحات لـ «الجريدة» إلى ضرورة النظر إلى تعديل التشريعات الخاصة في هذا الإطار، وإطلاق يد القطاع الخاص في عمل شراكات عالمية لجلب التقنيات والتكنولوجيا الخاصة بتطوير القطاع النفطي في البلاد، مشيرين إلى أن مشاركة الشركات العالمية الخاصة مع المحلية ستساهم في تطوير القطاع، وستجلب التقنيات الجديدة والقدرات البحثية والتطويرية إلى الطاولة، مما يمهد الطريق لتنمية أسرع، وتفادي البيروقراطية واللوائح الحكومية، التي تتحكم في عمليات الجهات الحكومية.

Ad

وأوضحوا أن القطاع النفطي المحلي الخاص يعاني لعب دور الوكيل للشركات النفطية الأجنبية، الأمر الذي قد يعرقل توطين التكنولوجيا العالمية في البلاد، مشيرين إلى أنه في بعض الحالات تتسبب العلاقات بين الوكيل والموكل في عوائق عندما لا يكون الوكلاء من ذوي الكفاءات الفنية، ويسعون فقط إلى التربح، ولا يمكنهم إنشاء استراتيجيات متبادلة لنشر التكنولوجيا، ولا يقدمون أي مساعدة للموكل، أو أن العلاقة بين الوكيل والموكل بها متاعب تجارية أو مالية أو قانونية.

وقالوا إن المرحلة القادمة تعد صعبة جداً وثقيلة، ولا تقبل أي تأخير، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نعتمد على مصدر واحد فقط، فضلا عن أن أمامنا تحديات أخرى كالطاقات البديلة التي لا تستخدم النفط، والتي أصبحت متاحة ورخيصة، مشيرين في هذا الإطار إلى الحملات الدولية من قبل منظمات البيئة، التي تبنتها دول عظمى وفرضتها علينا، لافتين إلى أنه يجب ألا ننسى الأوضاع الجيوسياسية والعالمية، بالإضافة إلى تشاؤم منظمة الصحة العالمية حول وجود متحورات لوباء "كورونا"، وهذا قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو أو إغلاق آخر... وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي في شركة المقاولات والخدمات البحرية، علي دغيم الشمري، إن القطاع النفطي الحكومي، بشكل عام، يحتاج إلى إعادة هيكلة، ولكن ليس بمعزل عن "النفطي الخاص"، لافتاً إلى أن النموذج الحالي المتبع، أي الإدارة التفصيلية (Micromanagement) من قبل مؤسسة البترول الكويتية للشركات التابعة لها تنتفي معها ملكة الإبداع، وتميع مسؤولية "قادة" هذه الشركات.

وأضاف أن نموذج التعاقد مع المقاول المحلي أو الأجنبي على السواء، إن كان من ناحية شروط العقود أو الالتزامات المبالغ فيها، ناهيك عن تجاوز مبدأ المناقصة في العقود الكبيرة، واللجوء إلى ما يسمى "ممارسة" فإنه يقوض مبدأ المناقصة المتبع عالمياً، ويترك للمقاول القليل جدا من الحوافز، ان وجدت، للتميز في أداء أعمال العقود، ويدفع البعض إلى اللجوء للتحايل واقتناص الفرص عكس، ما يقتضى مبدأ المنافسة الصحيح.

مشاريع إنمائية

وذكر الشمري أن تطوير القطاع النفطي الحكومي لا يمكن أن يتم بشكل صحيح إن لم يشمل القطاع النفطي الخاص ومشاركته الفعلية في المشاريع الإنمائية الكبيرة والقيام بالبناء والتشغيل والصيانة والتمتع بالملكية لفترة زمنية محددة يقوم بعدها بنقل الملكية إلى القطاع العام، لافتا إلى أن مشاركة الشركات الخاصة ستجلب التقنيات الجديدة وقدراتها البحثية والتطويرية إلى الطاولة، مما يمهد الطريق لتنمية أسرع وتفادي البيروقراطية واللوائح الحكومية التي تتحكم في عمليات الجهات الحكومية.

وأوضح أن من الواجب اعتماد مبدأ مفاضلة القيمة الفعلية على السعر، فالسعر المنخفض ليس بالضرورة الأفضل، وهناك أمثلة كثيرة تسبب السعر المنخفض بها في نتائج وخيمة وخسائر جمة وتأخير باهظ الثمن، مضيفا أن بعض المقاولين الأجانب المعتمدين لتنفيذ مشروعات كبيرة يعملون بصورة مميزة، ولكن لا يساهمون في تنمية الدورة الاقتصادية الوطنية ولا في التنمية البشرية الفعلية ونقل المعرفة، على عكس منافسيهم من الشركات المحلية التي وإن كانت أسعار خدماتها أعلى فإنها تسهم فعليا في التنمية الاقتصادية والبشرية.

وأشار إلى أنه على مدى تاريخ قطاع النفط والغاز في الكويت، من الواضح أن مجموعات معينة من الشركات هي في طليعة جميع المشاريع الكبرى، في حين أن كل شركة خاصة تستحق أن تكون في الطليعة بناء على قدراتها، لذلك يجب خلق فرص متساوية وعادلة لجميع أحجام الشركات الخاصة، بحيث تتمكن كل منها من أن تساهم في إعادة الهيكلة المنشودة للقطاع النفطي.

توطين التكنولوجيا

وحول معاناة القطاع النفطي الخاص من لعب دور الوكيل للشركات النفطية الأجنبية، الأمر الذي يعرقل توطين التكنولوجيا العالمية في البلاد، أكد الشمري صحة هذه المقولة، مبينا أنه في بعض الحالات تتسبب العلاقات بين الوكيل والموكل في عوائق عندما لا يكون الوكلاء من ذوي الكفاءات الفنية، ويسعون فقط الى التربح، ولا يمكنهم إنشاء استراتيجيات متبادلة لنشر التكنولوجيا، ولا يقدمون أي مساعدة للموكل، أو أن العلاقة بين الوكيل والموكل بها متاعب تجارية أو مالية أو قانونية.

ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك هناك العديد من الحالات التي تم إثباتها في الكويت، ودفع الوكلاء العديد من التقنيات الرئيسية إلى الكويت، ونجحوا في مساعدة الشركات متعددة الجنسيات في تأسيسها واستقرارها بالبلاد.

وشدد على أنه من المهم ملاحظة أن شركات التكنولوجيا العالمية تحتاج إلى بيئة ومجموعة مواهب متنوعة، إلى جانب سهولة ممارسة الأعمال التجارية للاستقرار أو إعادة الاستقرار في بلد ما، مضيفا ان في الكويت حاليا العديد من القيود المعوقة، الامر الذي يتسبب في تردد العديد من الشركات العالمية في إنشاء كيان أو إعادة التوطين هنا تماما، بسبب اللوائح الحكومية المعقدة المتعلقة بالموظفين (من حيث التأشيرات وظروف المعيشة والمرافق)، إضافة الى اللوائح المعقدة في صناعة النفط والغاز التي تنطوي على عمليات طويلة وبطيئة قبل الموافقة على التأهيل وما إلى ذلك.

واعتبر أن الافتقار إلى إمكانيات التصنيع والتكنولوجيا أكبر عقبة أمام الشركات المحلية الداعمة، لذا يجب تطوير قدرات التصنيع والتطوير التكنولوجي للشركات المحلية حتى تتمكن من لعب دور أكبر، لافتا إلى أن هناك عقبة أخرى تواجهها الشركات المحلية هي متطلبات التأهيل المسبق الصارمة في قطاع النفط والغاز، الأمر الذي يجب معه أن تكون المتطلبات مناسبة لتسهيل مشاركة الشركات المحلية، ويجب أن يكون تعامل شركات النفط الحكومية مع شركات القطاع النفطي المحلي كشركاء، كما يجب أن يتم إنشاء آليات جديدة سلسة التطبيق وتوفر فرصا خاصة بالشركات المحلية بناء على قدراتها لمساعدتها على النمو.

التزامات تعاقدية

وأوضح الشمري أن هناك تحديا هاما وهو الالتزامات التعاقدية الصارمة والشروط والأحكام غير القابلة للتفاوض من شركات قطاع النفط الحكومي، مشيرا إلى أن هذا الأمر يشكل ردعا قاسيا للشركات المحلية كي تحمل مسؤوليات أكبر، مشددا على أن الفرص والخطط الواضحة مطلوبة من الحكومة أو من شركات النفط الحكومية، وعليه يجب أن يتم إنشاؤها وتدعيمها بضمانات لتمكين الشركات الخاصة من الدخول في شراكات عالمية.

وأضاف انه بدون أي خطط أو دعم ثابتة، من الصعب جدا على أي شركة خاصة إقامة شراكة فعالة مع شركة عالمية متخصصة، لاسيما أن الظروف الحالية لصناعة النفط والغاز غير مشجعة للقيام بتلك الشراكة، فالاضطرابات المختلفة، وخفض الميزانية المتكرر وتغييرات السياسة تؤثر سلبا إن لم تكن تمنع كليا هذه الشراكة.

وأردف: "لقد حان الوقت لشركات النفط الخاصة للدخول في شراكات، ولكن يجب توفير خارطة طريق واضحة للتنمية والفرص المستقبلية من قبل الحكومة، ووضع ضمانات للأعمال التجارية لتمكين الشركات من القيام بذلك".

آلة ضخمة

من ناحيته، قال رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي في شركة خدمات حقول الغاز والنفط (جافسكو)، حسام معرفي، إن معظم التغييرات التي حدثت في القطاع النفطي هي في الحقيقة كتاب يحمل المحتوى نفسه، ولكن بعنوان مختلف.

وأضاف: نحن نتحدث منذ أكثر من عقد عن أهمية دور القطاع الخاص الذي يعتبر الترس الذي يجعل الآلة الضخمة تعمل وتنتج بشكل يستفيد منه الجميع، ولكن لا تزال هناك معوقات، مثل التأخير والتأجيل في العقود، وعدم إشراكه بشكل واضح وإعطائه الثقة.

وتابع: إنه نتيجة لذلك لم نخطُ خطوة واحده للأمام، رغم أننا وفّرنا كشركة على الدولة الملايين، حيث خفضنا قيمة عقودنا بنسبة 50 بالمئة، مقارنة مع الشركات الأجنبية، وخفضنا أسعار الخدمات بنسبة 70 بالمئة، ومستوفين جميع الشروط من كفاءات وكوادر وطنية ومعدات وخبرات محلية وعالمية.

تحديات عالمية

ولفت معرفي الى أن القطاع النفطي يواجه الآن تحديات عالمية مع أزمات كانت مخفية، لكن أزمة كورونا أظهرتها بشكل لا يمكن إخفاؤه، لافتا الى أن الدولة لا يمكن أن تتعامل مع تلك التحديات بشكل منفرد.

وأشار الى أن قوة القطاع النفطي تأتي من خلال الشركات الخاصة، ولكن ما يحدث الآن بعد أن غابت الرؤية نتيجة الصراعات زاد التشاؤم، قائلا نحن كقطاع خاص بدأنا نخاف أن نقرر تجاه أي خطوة رغم ما ذكرت سابقا، وذلك بسبب عدم وجود استراتيجية بعيدة المدى والكلفة بازدياد.

يذكر أن هذه الصراعات تؤثر على أكثر من 16 الف موظف كويتي وكويتية، ومنهم تقريبا 2500 تحت ما يُطلق عليه بند التكويت، واضرب هذا العدد في 3 مع أسرهم، فإذا اختل التوازن وزادت الصراعات وتم تهميش القطاع الخاص، فأنت تحكم على هذا العدد وعائلاتهم والوضع الاقتصادي بالانهيار.

وضرب معرفي مثالا يرجع الى عام 2003 خلال حرب العراق، حيث أغلقت جميع الشركات الأجنبية شركاتها خوفا من الأوضاع، إلا الشركات الكويتية الوحيدة التي عملت بجهد وتفان لخدمة الوطن، واضعين المخاطر وراءهم، ومبرهنين بذلك على مدى قوة وشجاعة الشركات المحلية في أحلك الظروف.

مرحلة صعبة

وقال إن المرحلة القادمة صعبة جدا وثقيلة، ولا تقبل أي تأخير، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نعتمد على مصدر واحد فقط، فضلا عن أن أمامنا تحديات أخرى، كالطاقات البديلة التي لا تستخدم النفط، والتي أصبحت متاحة ورخيصة، مشيرا في هذا الإطار الى الحملات الدولية من قبل منظمات البيئة، والتي تبنتها دول عظمى وفرضتها علينا، لافتا الى أنه يجب ألا ننسى الأوضاع الجيوسياسية والعالمية، إضافة الى تشاؤم منظمة الصحة العالمية بشأن وجود متحورات للوباء، وهذا قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو أو إغلاق آخر.

وطالب معرفي السلطتين التشريعية والتنفيذية وكل الجهات ذات الصلة في البلاد بتغيير القوانين الحالية، وجعلها تصب في مصلحة الدولة والقطاع الخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

نقل التكنولوجيا

بدوره، قال رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للخدمات البترولية (نابيسكو)، عمران حيات، إن نقل التكنولوجيا والمعرفة في القطاع النفطي يعد أمرا محمودا يجب أن يتم، مبينا أن ذلك يحتاج معه إلى تنظيم واضح للأمر.

وأضاف إننا في الكويت نفتقر الى طريقة جيدة لطرح المشاريع، لافتا الى أن التركيز دائما في المشاريع التي يطرحها القطاع النفطي في البلاد يكون غالبا معتمدا على مبدأ أقل الأسعار، وهو مبدأ خطأ وغير مُجد في الاستثمار، لكون الهدف من ذلك الاستثمار ينصب فقط على الربح.

حقول الشمال

وأشار الى ضرورة تكوين شراكات بين القطاع الخاص والشركات العالمية من أجل جلب التقنيات الجديدة والفكر المتطور في الأبحاث، على أن يكون كل ما يتعلق بتلك الشراكات مدروسا.

ولفت حيات الى أن الشركات النفطية المحلية دائما ما تواجه العراقيل، لكون الدور الرئيسي في المشاريع محصورا على الشركات العالمية، رغم أن القطاع النفطي يؤهل الشركات المحلية للمشاريع.

ولفت إلى أن مشروع الأوفست كان فكرة جيدة، لكنّ التطبيق لم يكن على مستوى الطموح، وظل فكرة على الورق.

وتطرّق حيات الى الفرصة التي اعتبرها ضائعة، وهى مشروع تطوير حقول الشمال، لكونها - على حد قوله - كانت فرصة جيدة لتوطين الشركات العالمية في الكويت من خلال الدخول في شراكة مع القطاع الخاص، مشيرا الى أن الشراكة أيضا بين القطاعين العام والخاص يجب أن تتضمن الاستثمار في كل المشاريع التي تحمل مخاطر أو أرباحا.

أشرف عجمي