تشير بيانات خطة التنمية، في نهاية نسختها الثانية لعام 2020، إلى قصور واضح في تنفيذ عدد ضخم من المشاريع الإنشائية والخدمية المدرجة تحت بند "التنموية"، بعد نحو 10 سنوات من إطلاق نسختَي خطة التنمية الأولى والثانية، مع الاستعداد لإطلاق "الثالثة" (2020 - 2025)، المفترض إعلانها قبل نهاية العام الحالي، بعد أن تعثّر إطلاقها سابقا لأسباب متعددة، أبرزها تفشي فيروس كورونا.ورغم أن خطة التنمية هي البرنامج التنفيذي لتحقيق ما يُعرف بـ "رؤية الكويت 2035"، فإنّ أغلبية المشاريع المدرجة في هذه الخطة تعيدنا الى عام 2010، حيث النسخة التي أدرجت فيها خطة التنمية الأولى، إذ من بين 123 مشروعا وبرنامجا مدرجة في الخطة، لم تصل نسبة إنجاز 80 في المئة منها، فما فوق، لأكثر من 26 مشروعا أو برنامجا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هذه المشروعات ذات النسبة المرتفعة في الإنجاز لا ترقى الى مستوى تصنيفها كمشاريع تنموية، مثل برنامج الدعم الإعلامي للخطة الإنمائية، أو إنشاء مبنى وحدة رعاية المسنين بمنطقة حولي، مع ملاحظة أن معظم مشاريع الخطة ذات طابع إنشاء وتعمير ومقاولات، وليست ذات أغراض تنموية حقيقية، أو ذات قدرة على تغيير شكل الاقتصاد.
نسب متدنية
غير أن هناك مشاريع على درجة عالية من الأهمية لتأسيس بنية تحتية متطورة لا تزال في مراحلها الأولى، رغم مرور سنوات على إدراجها في الخطة؛ كمشاريع الموانئ التي تعدّ من القواعد الأساسية لمشاريع "رؤية 2035".فنسبة إنشاء ميناء مبارك الكبير، الذي ظهرت فكرته عام 2004، وأدرج تنفيذيا على الخطة الإنمائية الأولى عام 2010، بلغت 53 في المئة، في حين وصلت خطط تطوير ميناء الشويخ 5 في المئة، وميناء الشعيبة 12 في المئة، وميناء الدوحة 7 في المئة ومطار الكويت مبنى الركاب 40 في المئة ناهيك أن ما يُعرف بمدينة الحرير "صفر" في المئة.أما نسب إنجاز بعض المشاريع ذات العلاقة بالمدينة كمشروع الطريق الإقليمي؛ المرحلة الثانية (المنطقة الشمالية)، فقد بلغت 35 في المئة، وشركة المستودعات العامة والمنافذ الحدودية (العبدلي) 30 في المئة.محدودية الفرص الوظيفية
وإذا كان تدني نسبة إنجاز المشاريع في خطة التنمية يمثّل اختلالا، فإن هناك اختلالا أكبر يتمثل في محدودية فرص العمل التي توفرها مشاريع الخطة للشباب الكويتيين، والتي بلغت 6100 فرصة، ثلثها من مشروع الوقود البيئي، أي نحو 25 في المئة من المواطنين المتقدمين لسوق العمل بالكويت في عام واحد فقط، وهذا الرقم يعني أمرين؛ أن مشاريع الخطة لا توفّر فرص عمل حقيقية وذات استدامة، وبالتالي تكون قيمتها التنموية والاقتصادية محدودة، أو أن الجهاز المكلف بإعداد الخطة ومتابعتها، وهو الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، غير جدير بمهمته في رصد ومتابعة الفرص الوظيفية لمشاريع التنمية المتأخرة.التنمية ضحية
وبغضّ النظر عن تدني نسب الإنجاز أو محدودية الفرص الوظيفية، فإن خطط التنمية في الكويت وقبلهما مشروع التحول الى مركز تجاري ومالي، غالبا ما كانا ضحية حكومات استخدمت هذه الخطط والرؤى الاقتصادية بهدف إطالة مدة بقائها، أو لجذب شعبية مؤقتة ضمن صراع مع البرلمان، فطرحت معظم هذه الخطط بآليات قياس غير منطقية.فخطة التنمية الأولى حققت في عامها الأول - حسب البيانات الحكومية - 60 في المئة من أهدافها، أما الخطة الثانية فقد سجلت رسمياً 80 في المئة من أهدافها، وهو أمر لا يمكن تصديقه على أرض الواقع.ومع البحث عن أسباب أو معايير النمو في نسب الإنجاز، نجد أن الخطط السابقة احتسبت منح قروض الزواج والرعاية السكنية والمساعدات الاجتماعية ورفع السعة السريرية للمستشفيات، وإنشاء الحدائق وحضانات الأطفال، أو حتى مشاريع البنى التحتية، من ضمن نسب الإنجاز المحتسبة في تنفيذ الخطة، وهو أمر يكشف جانبا من محدودية جودة القياس والتنفيذ.ولعل من مظاهر عدم مصداقية البيانات أعلاه أن الخطة الأولى أعلنت الحكومة رسمياً فشلها على لسان وزير المالية آنذاك، الشيخ سالم العبدالعزيز، بعد مرور 4 سنوات على تطبيقها، أما الخطة الثانية (الحالية) فقد جرى تقليصها لتكون "واقعية وغير طموحة"، حسبما أعلنت وزيرة التنمية وقتئذ، هند الصبيح، حيث تركز على المشاريع الإنشائية وتطوير القطاع العام، ومع ذلك لم تنجح الخطة في تنفيذ ما ورد فيها من مشاريع وبرامج.وقف نشر التقارير
واللافت هنا أن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية أوقفت نشر تقارير المتابعة ربع السنوية منذ نهاية عام 2020، من دون بيان الأسباب، وهي تقارير تبين نسب الإنجاز والمصاعب التي تواجه أي مشروع أو برنامج، مما يخفض درجة الشفافية ويزيد من احتمالات التعثّر فيها.تعهدات الرئيس
خلال الأشهر الماضية، تعهّد رئيس الوزراء، سمو الشيخ صباح الخالد، بإنجاز العديد من المشاريع ذات البُعد الاقتصادي، المدرجة ضمن خطط التنمية، وأهمها مشاريع مدينة الحرير وميناء مبارك والوقود البيئي، ومع ذلك لم يبيّن - مثله مثل مَن سبقه من رؤساء حكومات على مدى 20 عاما - شيئا عن معالجة الاختلال في آليات التنفيذ أو الالتزام ببرامج زمنية للإنجاز (فصلي - سنوي)، موضحة بالنسب والأرقام، كي تكون الصورة واضحة بين النجاح والتعثّر، وإلا نكون قد أعدنا تدوير الفشل الذي سيطر على مختلف الخطط السابقة، في زمن لم يعُد هناك المزيد من الفرص التي يمكن تضييعها.