مساومة بايدن مع إيران على حساب من؟
هل إدارة بايدن جادة في التوصل إلى صيغة جديدة لبرنامج إيران النووي؟ أم أن هناك مؤسسات وقوى سياسية داخل هذه الإدارة تعارض ذلك؟ سؤالان يطرحهما المراقبون الدوليون لمعرفة إلى أين ستذهب واشنطن مع طهران؟ البعض يقول إن التوجه العام لدى الإدارة الأميركية أن تترك إيران تتصرف في برنامجها النووي دون أن يتعدى ذلك إلى رفع درجة تخصيب اليورانيوم، وإن تساهلت إلى هذا الحد تكون قد خطت باتجاه إبرام صفقات سياسية قد تطول الملفات الساخنة في المنطقة وبالأخص الأزمات والحروب اليمنية واللبنانية والعراقية. الخليج عموماً لم يستبشر خيراً بمجيء "الديموقراطيين" إلى البيت الأبيض، فالسياسة الخارجية التي التزموا بها في حملتهم الانتخابية قامت على "المهادنة" و"التسويات" مع إيران دون الدخول في مواجهات عسكرية أو حامية معها.
فتح بايدن "صفحة بيضاء" مع إيران قبل أن يتسلم الحكم، وبالتالي يتردد في أروقة الدوائر السياسية بالخليج أن هذه الإدارة قد تتنازل للإيرانيين عن قضايا استراتيجية كانت إدارة ترامب صارمة فيها وغير عابئة بردة الفعل، وهنا "مكمن الخطر"، فهل تبيع هذه الإدارة سمعتها وتساوم على مصالح حلفائها؟ الثابت أن هذه الدولة العظمى أقدمت على سوابق من شأنها أن تقلب التحالفات وموازين القوى في المنطقة عودة إلى أزمة الرهائن الأميركيين والإفراج عنهم بعد 444 يوماً في عهد جيمي كارتر الذي أبرم الاتفاق، فقد كان الأميركيون يتنازعهم رأيان: الأول يقول بالانتقام، والثاني يطالب بالتروي والحكمة، وهنا أستعين بالزميل أحمد البوز الذي أحضر لي ما كتبه المحلل السياسي "محمد عبدالمولى" في مجلة الحوادث اللبنانية الصادرة عام 1981. أصحاب الرأي الأول يمثلهم تيار كبير رفعوا شعار "كرامة أميركا تتمرغ في الوحل" بعد أن خرج الناس إلى الشوارع متظاهرين يطالبون بالانتقام، فهذا المزاج أدى إلى إسقاط جيمي كارتر في الانتخابات والمجيء بالرئيس رونالد ريغان، المحافظ والمتشدد والذي وصف الإيرانيين في خطاباته بأنهم "برابرة"! وسط تلك الظروف تساءل خبير أميركي في شؤون إيران عن العبرة في التفاوض طوال فترة احتجاز الرهائن "وعلى حساب كرامتنا"! وطهران اعتبرت نفسها منتصرة في نهاية المواجهة ووصفوا الإدارة بأنها "الشيطان الأكبر"، أما مجلة "نيوزويك" فقالت إن العلاقات مع إيران ستكون إحدى المسائل الحساسة جداً في حقبة ريغان. بقيت أميركا تؤدي لعبة الترقب والانتظار بعدما باتت "الهوة" كبيرة بينهما، بخروج الشاه ومجيء الإمام الخميني كما هو سائد في أدبيات البعض عند التطرق إلى مسار العلاقات الأميركية– الإيرانية. واليوم عدنا إلى لعبة الحمائم والصقور في كيفية التعامل مع إيران، وبرأي المحلل السياسي محمد عبدالمولى كان الإيرانيون يشعرون أن حكم الشاه أورثهم كمية كبيرة من المرارة والألم جاءت إليهم في صناديق الاستعمار الأميركي، والأميركيون حملوا كمية المرارة والإهانة نفسها يوم احتجزت إيران أبناءهم، ولهذا السبب فإن مستشار الأمن القومي السابق بريزنسكي يرى أن العلاقات الطبيعية لن تعود إلى سابق عهدها بسرعة، ولكن على المدى البعيد من المحمود قيام نوع من المصالحة والاستقرار! كانت وما زالت المسألة الأهم تتعلق بالأسئلة التالية: أين مصلحة أميركا؟ وأين مصلحة إيران؟ وأين مصلحة دول الخليج؟ أميركا لا تتجاهل أهمية إيران الاستراتيجية حين تقيس مصالحها الحيوية في منطقة الخليج، في الوقت الذي تدرك فيه طهران حدود المواجهة مع واشنطن، فالمصالح تلتقي ولا تتقاطع أحياناً كثيرة بين "الأعداء"، لكن أين الخليج من هذا التلاقي بالمصالح والتنازع عليها؟