لبنان: الشرخ يتسع بين «حزب الله» وقوى مؤثرة
على وقع استمرار الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج، يتمدد العبث قضائياً في لبنان بعد اتساع رقعته سياسياً، فما يشهده قصر العدل في بيروت يعبّر عن أخطر المراحل التي وصلت إليها السلطة القضائية في تاريخها، إذ إن الصراع السياسي - القضائي حول التحقيق في مرفأ بيروت قد يؤدي إلى تعطيل هذه السلطة بشكل كامل، لا إلى تطويق المحقق العدلي في قضية المرفأ، القاضي طارق بيطار، فقط، في ظل دعاوى متضادة بين عدد من القضاة، وصولاً إلى رفضهم المثول أمام التفتيش القضائي. وفي مشهد يُظهر أن الاشتباك أصبح مرتبطاً بالصراع بين الرئاستين الأولى والثانية، وسيكون «حزب الله» هو المحرج الأكبر منه، تبادل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الانتقادات.وغرد عون، في موقف واضح يبدو فيه داعماً للبيطار: «الأبرياء لا يخافون القضاء. وكما قال الإمام علي: من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومَنّ من أساء به الظن». ورد بري: «على ألا يكون القضاء قضاء السلطة وما أدراك ما هي».
يأتي هذا بينما تضاف نقاط افتراق جديدة إلى العلاقة بين «حزب الله» والتيار الوطني الحرّ، ومن خلفه رئيس الجمهورية، خصوصاً ما يتعلق بإقالة وزير الإعلام جورج قرداحي أو دفعه للاستقالة، إذ يؤيد عون هذا الأمر للبدء بمعالجة الأزمة مع دول الخليج، في حين يرفض «حزب الله» ذلك، بشكل كامل.ويتمدد الصراع بين بري وعون إلى الملف الانتخابي، في ظل إصرار الأول على إجراء الانتخابات في 27 مارس المقبل، بينما يريد الأخير مع كتلته النيابية الطعن بتعديلات قانون الانتخاب لإجرائها في مايو المقبل. وفي حين تكشف مصادر متابعة أن بري يدرس الخطوات القانونية والسياسية، التي قد يلجأ إليها لمنع المجلس الدستوري من قبول الطعن على قرار مجلس النواب، بتقريب موعد الاقتراع، تقول مصادر سياسية إن أي طعن بالانتخابات يعني حكماً تأجليها والتأثير عليها، وهذا أمر لا يمكن القبول به لا داخلياً ولا دولياً.وتغمز المصادر القريبة من بري، من قناة عون بأنه لا يريد الانتخابات، خوفاً من تراجع في عدد نوابه ومراكمة المزيد من الخسائر. وهذه القضية ستحرج «حزب الله» لأنه كان اتخذ قراراً واضحاً بدعم «التيار الوطني الحرّ» بقوة في الانتخابات.في موازاة ذلك، تتزايد المواقف الداخلية الضاغطة على «حزب الله» والرافضة للمسار السياسي الذي ينتهجه، خصوصاً في ملف العلاقة مع دول الخليج، وبرز في اليومين الماضيين موقف لوليد جنبلاط يعتبر فيه أن الحزب يخنق البلد بسياسته، ولا يمكن له أن يعمل على قطع العلاقة مع دول الخليج، أو إبعاد لبنان عن مداه العربي، بالإضافة إلى أن هذه السياسة تؤثر سلباً على اللبنانيين العاملين في الخليج، وهذا أمر غير مقبول. تلك المواقف تلاقي أصداء لبنانية متعددة تعتبر أن سياسة الحزب تنعكس سلباً، في حين تفسّر بعض القوى إصراره على المضي في مواقفه بأنه يهدف لتوسيع الشرخ بين لبنان ودول الخليج.وسط هذه المعادلة الانقسامية، يبدو أن الأزمة بين لبنان والخليج ستكون مستمرة، بالتزامن مع التعطيل المستمر لعمل مجلس الوزراء. وفي حال فشلت مساعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالتعاون مع رئيس الجمهورية، لتفعيل العمل الحكومي، فإن ذلك سيؤثر سلباً على مسار الانتخابات، إذ بدأ الحديث في الكواليس عن بحث جدي لتأجيلها، إلى أن تنضج تسوية واضحة المعالم، إلا أن مصادر أخرى تحذر من أن التأجيل يعني تصعيد الإجراءات العقابية الأميركية والدولية.