بقايا خيال: الفرق بين الذكاء والغباء
يقولون إن العالم المصري أحمد زويل أطلق عبارة قال فيها إن الغرب ليسوا أذكياء، ونحن العرب لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل، وأنا أشك أن هذا العالم النابغة قد قالها، لأنها مقولة تؤكد أن الغرب أذكى من العرب بمراحل، هذا إن لم نكن نحن العرب أغبياء بالفعل، إذ كيف يكون الغرب غبياً وهو الذي يدعم كل فئات مجتمعه، حتى الفاشلين منهم، لكي يحققوا النجاح، فتستفيد المجتمعات الغربية من خبراتهم وإنجازاتهم؟ وكيف نصف أنفسنا بالأذكياء إذا كنا نعرقل محاولات العرب الأذكياء حتى يفشلوا في تحقيق أي إنجاز؟ وبمعنى آخر كيف يكون الإنسان ذكياً إذا كان يطعن نفسه في مقتل؟ الشاعر العراقي أحمد مطر يصفنا بقوله:فصيحنا ببغاء
قوينا مومياءذكينا يشمت فيه الغباءووضعنا يضحك منه البكاءتسممت أنفاسنا حتى نسينا الهواءوامتزج الخزي بنا حتى كرهنا الحياء يا أرضنا يا مهبط الأنبياءقد كان يكفي واحد لو لم نكن أغبياءقبل أربعة أشهر تحدثت الصحف المحلية عن عالم كويتي هو الدكتور بسام الفيلي الذي أنفق من ماله الخاص لإطلاق قمر اصطناعي هو الأول من نوعه تحدثت عنه وكالة ناسا (NASA)، ولما عاد إلى أرض الوطن لم يجد في استقباله سوى والدته. ولم تبادر حكومة الكويت بدعمه لا مادياً ولا معنوياً، بل تجاهلته وأدارت ظهرها نحو بطل في الرياضة، في حين صار العالم الكويتي منسياً بسبب تركيز الإعلام على الإنجاز الرياضي، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن إنجاز الدكتور الفيلي لا يقل أهمية عن أي إنجاز كويتي آخر، إن لم يفقه أهمية اقتصادية وعلمية. ومازلت أذكر العالم الكويتي الشاب الذي اخترع مدفعاً ثقيلاً في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وتحدثت عنه الصحف المحلية بإسهاب، وكان بإمكان الدولة ممثلة بالجيش الكويتي الاستفادة من إنجازه العسكري غير المسبوق بأن تحتضنه وتوفر له الدعم اللازم لتطوير هذا الاختراع وتوفير ملايين الدنانير على الدولة، ولكن للأسف الشديد توقف هذا الشاب عن إنجازه الوطني العظيم بعد أن زاره وفد من وزارة الداخلية للتحقيق معه حول اختراعه الذي اعتقدوا أنه قد يقض مضجع الأمن القومي لدولة الكويت. وبعد هذا يأتي من يقول إننا لسنا أغبياء ولا أقل ذكاء من الغرب حتى إن قتلنا طموح الشباب في مهده، وبعد أن صارت الكويت بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي، و"مطفشة" للعمالة الماهرة، وساحة منفرة لأبنائها المتفوقين، ولهذا تجد أن غالبية الكويتيين المهاجرين عن وطنهم هم من الطبقة المثقفة والمجتهدة والقادرة على الإنتاج والإنجاز، والراغبة في المساهمة الفاعلة حتى في المجتمعات الأجنبية، فما بالك بديرتهم؟ وهل رأيت كسولاً فاشلاً في وطنه يهاجر؟ إذا كان ضائعاً في وطنه فكيف به في المهجر؟ شخصياً قابلت كويتيين متميزين "طفشتهم" قوانين الديرة، وأبعدتهم عن الوطن تقاليد المتنفذين، ونفرتهم واسطات السياسيين وأتعبتهم فتاوى الطائفية الشخصانية، فاستقرت الحال ببعضهم في أميركا والبعض الآخر في إنكلترا، ومنهم في مصر، وجلست معهم في الإمارات وفي تركيا، ولكل منهم قصة أغرب من الخيال مع الإنجاز العلمي والاقتصادي والسياسي والثقافي، كان يمكن للديرة أن تستفيد من خبراتهم العلمية والعملية.