استبق الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أمس، فرض الاتحاد الأوروبي خامس حزمة عقوبات على نظامه منذ انتخابه العام الماضي، وهدد بقطع خط الغاز الروسي ووقف حركة نقل البضائع إلى القارة العجوز.

وفي تصعيد جديد، بعد أن أغرق حدودها بالمهاجرين، خصوصاً من الشرق الأوسط، قال لوكاشينكو، خلال اجتماع مع مسؤولي حكومته في مينسك: «نحن ندفئ أوروبا، وما زالوا يهددوننا بإغلاق الحدود. ماذا إذا أوقفنا تدفق الغاز الطبيعي إلى هناك؟ لذلك، أوصي كلا من القيادة البولندية والليتوانية وغيرهما من الحمقى بالتفكير جيدا قبل التحدث»، مضيفاً: «إذا فرضوا عقوبات جديدة، فعلينا يجب أن نرد»، مشيراً إلى تعليق تشغيل خط أنابيب الغاز الذي يعبر بيلاروس وينقل كميات حيوية من الغاز الروسي إلى الأوروبيين.

Ad

وكشف الرئيس السلطوي أيضاً عن طلبة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين إرسال قاذفات قنابل استراتيجية قادرة على حمل أسلحة نووية لمراقبة الحدود، محذراً من أنه يفكر في غلق نقاط عبور الشحنات إلى أوروبا، إضافة إلى إجراءات أخرى محتملة.

وفي حين تستهدف عقوبات الاتحاد الأوروبي هذه المرة شركة الطيران الوطنية لقيامها بنقل المهاجرين، اعتبر وزير خارجية بيلاروسيا، فلاديمير ماكي، أمس، أن ما يحدث على الحدود مع بولندا نتاج لتصرفات الاتحاد الأوروبي نفسه، وهذه مجرد محاولات لتبرير سياسة المواجهة المدمرة تجاه روسيا ومعاقبتها بشكل أو بآخر».

وعلل ماكي رؤيته قائلا: «إذا أخذناها على نطاق أوسع في سياق جيوسياسي، فإن جميع الإجراءات التي يتخذها ما يسمّى بالغرب الجماعي الآن فيما يتعلق ببيلاروس، يتم توجيهها بنطاق بعيد المدى إلى روسيا، لأنها تشكّل، كما يعتقدون، تهديداً له». ولذلك خلص إلى أن «كل ما يتم اتخاذه من إجراءات الآن، فيما يتعلّق ببيلاروس، من أجل معاقبة روسيا، بشكل أو بآخر».

ويتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروس باستغلال المهاجرين من خلال مساعدتهم على الانتقال إلى الحدود الغربية مع بولندا ولاتفيا وليتوانيا. وينظر إلى هذه الخطوة على أنها انتقام من جانب مينسك على العقوبات الغربية التي فُرضت على حكومة بيلاروس بسبب قمع المجتمع المدني.

وفيما تتزايد المخاوف بشأن مصير أكثر من ألفي مهاجر غالبيتهم من أكراد الشرق الأوسط، عالقين عند حدود بولندا ولاتفيا وليتوانيا، في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بأنها «لا تحتمل»، أحصت المفوضية الأوروبية وصول نحو 8 آلاف شخص إلى الدول الثلاث الأعضاء بالاتحاد من بيلاروس المجاورة هذا العام.

عبور وطوارئ

وغداة اتهامها لبيلاروسيا بممارسة «إرهاب الدولة» وتسجيلها نحو 600 محاولة للعبور غير الشرعي للحدود، شددت بولندا، التي نشرت 15 ألف جندي على طول الحدود لمؤازرة الشرطة وحرس الحدود، على أنها لن تسمح بدخول المهاجرين إلى أراضيها.

وقال المتحدث باسم «الخارجية» البولندية، لوكاش ياسينا، أمس: «نقول دائما لزملائنا البيلاروسيين إنه يمكننا إرسال كل شيء، بما في ذلك المساعدات الإنسانية. لكن لا يمكن فعل أي شيء آخر، ولن نسمح لهؤلاء الأشخاص (المهاجرين) بالدخول».

وفي تطور جديد، أكد نائب وزير الداخلية بارتوش جرودتسكي أن مجموعة كبيرة من المهاجرين تضم نحو 150 شخصاً حاولت خلال الليل التسلل إلى الأراضي البولندية، مؤكداً أن حرس الحدود والجنود ونحو 20 شرطياً صدوا المحاولة.

وفي وقت فرض الرئيس البولندي أندجي دودا حالة الطوارئ على الحدود، وكلف الجيش والشرطة بالإشراف على الوضع، أعلن نائب وزير خارجية ليتوانيا، مانتاس أدوميناس، أن حرس حدوده لن يطلقوا النار على اللاجئين، لكنّه ألمح إلى أن الأمر يمكن أن يتغير، مشيراً إلى «سيناريو يمكن أن يشارك فيه أشخاص خضر» مسلحون.

ووجدت تركيا هي الأخرى نفسها في خضم هذه الأزمة، وأكد وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، في مكالمة هاتفية مع نظيره البولندي، زبيغنيف راو، أنها غير متورطة وكذلك خطوطها الجوية في نقل المهاجرين إلى بيلاروس.

عقوبات متأخرة

وفي ألمانيا، أعلن وزير الخارجية هايكو ماس أن «الوقت حان» ليفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على بيلاروس، بسبب استمرار لوكاشينكو بتأجيج التوتر وإصدار تأشيرات للمهاجرين وإحضارهم إلى الحدود انتقاماً للعقوبات الأوروبية التي فرضت عليه لقمعه حركة المعارضة بعد انتخابه في 2020.

وقال ماس: «نحن في وضع تأخرت فيه العواقب المناسبة ضد نظام لوكاشينكو، هذا ما نرغب به معاً مع شركائنا الأوروبيين»، مؤكداً أن «الاتحاد الأوروبي سيقوم بتوسيع وتعزيز عقوباته، وسيتم اتخاذ قرار بهذا الشأن الاثنين خلال اجتماع وزراء خارجيته في بروكسل.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، توقعت «توسيع نطاق العقوبات» مطلع الأسبوع المقبل.

وإثر لقائها الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن قالت فون دير لايين «إنها محاولة من قبل نظام متسلّط لزعزعة استقرار الدول الديموقراطية المجاورة. وهذه المحاولة لن تنجح».

وإثر لقائها الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، قالت فون دير لايين «إنها محاولة من قبل نظام متسلّط لزعزعة استقرار الدول الديموقراطية المجاورة. وهذه المحاولة لن تنجح».

ويتهم «الكرملين» أوروبا بعدم الالتزام بالمُثُل الإنسانية الخاصة بها ومحاولة «خنق» بيلاروسيا بخطط إغلاق جزء من الحدود، معتبراً أنه من غير المقبول أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها بسبب الأزمة.

وفي تطور نادر تزامن مع إرسال الرئيس فلاديمير بوتين قاذفتين من طراز توبوليف تو-22 إم 3، قادرتين على حمل قذائف نووية تفوق سرعة الصوت، والمصممة لتفادي الدفاعات الجوية الغربية المتطورة، للتحليق فوق بيلاروسيا، حذّر وزير الخارجية سيرغي لافروف الأوروبيين، الذين يتحلون بالشعور بالمسؤولية، «من الانجرار إلى دوامة خطيرة بشكل واضح».

نشاط عسكري

وعلى جبهة موازية، حذرت وزارة الدفاع الروسية، أمس، من تزايد النشاط العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة البحر الأسود، مشيرة إلى أن سلاحها الجوي رصد 4 طائرات استطلاع تابعة لحلف شمال الأطلسي واعترضها.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن تدريبات حلف الأطلسي غير الروتينية في منطقة البحر الأسود، بالقرب من حدودها، أعمال عدوانية من قبل الولايات المتحدة، وتشكل تهديداً للأمن الإقليمي.

وأوضحت الوزارة أن طائرة استطلاع «RC-135» تابعة لسلاح الجو البريطاني حاولت الاقتراب من الحدود الروسية بالقرب من شبه جزيرة القرم، وأن مقاتلة من طراز «سو-30» أقلعت واقترب منها على مسافة نحو 30 كلم وأجبرتها على تغيير مسارها والابتعاد.

واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن «استفزازات الولايات المتحدة وحلف الأطلسي في البحر الأسود لعب بالنار، ومحاولة لاختبار قوة روسيا»، متسائلاً: «ماذا تفعل السفن الأميركية على بعد آلاف الأميال من قواعدها؟ والقول بأن هذا كله من أجل حرية الملاحة لا ينطلي على أحد».

وإذ نفى ريباكوف وجود اتفاق حالياً لعقد قمة بين الرئيس بوتين ونظيره الأميركي بايدن، حذّر السفير الروسي لدى واشنطن، أناتولي أنتونوف، من خطط الولايات المتحدة لتسليح أوكرانيا، مؤكداً أن مثل هذه الخطوة لن تساعد في تخفيف التوتر، وستؤدي إلى تفاقم الوضع وتضيع فرصة ثانية لإجبارها على وقف الحرب في دونباس.

وقال أنتونوف، تعليقاً على توقيع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الأوكراني دميتري كوليبا، أمس الأول، ميثاق شراكة استراتيجية جديداً يشمل مواصلة تقديم المساعدة العسكرية، بما في ذلك الأسلحة الفتاكة، «من الواضح أن هناك تركيزا على مفاقمة الوضع وليس على تخفيف التوتر، كما أن الوثيقة تحتوي في سطر منها على شحن جيوسياسي لمواجهة روسيا»، مشدداً على أن أي نوايا لواشنطن لرؤية كييف في الأطلسي غير مقبولة.

خطأ فادح

وفي وقت سابق، طلبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أمس الأول، من موسكو «توضيحاً» بشأن تحركات قواتها «غير الاعتيادية» بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، محذّرة من تكرار «الخطأ الفادح» الذي ارتكبته عام 2014 وأشعل حرباً في الشرق. وأكد المتحدّث باسم «البنتاغون»، جون كيربي، أن ما يثير الريبة بشأن هذه التحركات العسكرية الروسية هو «حجمها» و«نطاقها».