لا عزاء للعدالة
تعالت في الفترة الأخيرة أصوات إعلامية تنتقد تعيينات وزير الإعلام لعدد من أبناء قبيلته في مناصب مهمة بالوزارة، وقالت ماذا لو أن كل وزير صنع مثل هذا الأمر في وزارته، فماذا سيحدث لإدارة الدولة؟! فقد يأتي وزير جديد من قبيلة أو جماعة أخرى، ويفعل الأمر ذاته في إعمال صلة القرابة لجماعته، فيقوم عندها بتجميد أو نقل من قام بتعيينهم الوزير السابق، وتظل الأمور على سيرتها السابقة في إحلال صلات القرابة والمحسوبية على حساب مبدأ الجدارة.أين الجديد في هذا الأمر؟ إدارة الدولة ظلت وما زالت تسير على هذا النهج المدمر، والأمر ليس قاصراً على أبناء القبائل، فنهج "القبائلية" ليس محدداً على قبيلة معينة، بل يتمدد لخارج صلات القبيلة، ليشمل الكثير من جماعات "من صادها عشى عياله". ولو لم يكن الوزير أو المسؤول من أبناء القبائل، ففي أحوال كثيرة يقوم الوزير صاحب الحظ السعيد بتعيين جماعته التي ينتمي إليها، إذا كان سلفياً مثلاً، وسيقوم بقلع وتصفية من عينه سلفه إن كان من الإخوان أو الليبراليين مثلاً، والعكس صحيح، وإذا كان من عائلة متنفذة ومن أصحاب الوجاهات، أيضاً فسيشمل برعايته وضمانه مصلحة جماعات المصالح المقربين منه؛ فهذا سيكون عضواً في مجلس إدارة مؤسسة ما تبيض ذهباً لحساب الشخص المعين، وذاك من خدمهم وضبط أمورهم سيكون مسؤولاً كبيراً في منصب يكون عادة حكراً عليهم دون غيرهم، عندها نقول ونردد دون جدوى "ماكو في البلد غير هذا الولد".
هيمنة المصالح الخاصة والمحسوبيات ليست من صنع هذه أو تلك القبيلة أو الجماعة أو العائلة أو الطائفة العرقية أو المذهبية، فهي نهج خلقته السلطة الحاكمة في توزيع كعكة الثروات والنعم بعد ولادة دولة النفط، إذ كانت تقرب الموالين وتبعد غيرهم، وظل مبدأ الجدارة والكفاءة غائباً تماماً في مثلث الدولة – القبيلة، وانتهينا أخيراً بالتضحية بمبدأ الشفافية والعدالة وحكم القانون والمساواة والإنصاف من أجل حكمة مرضية تثبت مقولة إن حبتك عيني ما ضامك الدهر. ليتنا نستطيع القول "خبز خبزتيه يا الرفله اكليه"... فليس خبازو السلطة من سيأكل هذا الحصاد المر، بل أبناء اليوم والغد من أصحاب الجدارة والكفاءات، ولا عزاء لهم! فهم لم يعرفوا من أين تؤكل الكتف في دولة الإصلاح ونسج الأوهام.