بعد 11 سنة من عزل سورية وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، ماذا كانت النتيجة؟ هل سحبت الشرعية منها؟ ونجح المعترضون في تحقيق أهدافهم أم لا؟فكرة العزل والمقاطعة السياسية سبق أن استخدمها العرب ضد النظام المصري احتجاجاً على زيارة أنور السادات لإسرائيل عام 1977، فنقلوا مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس وشكلوا تحالفاً إقليمياً لمعاقبته، وانتهت حملة المقاطعة وعادت الجامعة إلى حضنها المصري بعد سنوات وفشلت عملية العزل، بل زادت مصر قوة في الداخل وعلى المستوى الدولي.
هناك سوابق عربية وخليجية في هذا السياق لجأت إلى الحصار والعزل لكن في المحصلة الدول التي استهدفت اتجهت شرقاً أو غرباً، فحصّنت نفسها، وقدّمت تسهيلات وتنازلات في سبيل تأمين استقرارها ووجودها دون أن ترضخ أو يتبدل حالها، وجزء كبير من الخطاب العربي المعارض لعودة سورية إلى الجامعة العربية يعتبر أن المسألة مرتبطة بنظام بشار الأسد تحديداً وهو من يتحمل المسؤولية فسجله أسود تجاه حقوق شعبه وحقوق الإنسان عموماً، وعليه لسنا في وضع يسمح بالصفح عنه أو إعطائه "شرعية عربية" ولهذا "ينصحون" بعدم التقارب معه، وبعد 11 سنة من المقاطعة كانت سورية ترتمي في أحضان روسيا وإيران، وتقدم لهما وعلى طبق من فضة كل التسهيلات والامتيازات التي يحلمان بها مقابل حماية النظام.روسيا هي من منحت الشرعية لنظام بشار الأسد وحافظت عليه وإيران هي من ساندته بالقوة العسكرية وتحشيد القوى الموالية والتابعة لها وبما يعرف بـ"محور الممانعة"، فعودة النظام السوري إلى الحضن العربي باتت قاب قوسين أو أدنى، والانفتاح الأردني والإماراتي والمصري والعماني على النظام السوري وصل مراحل متقدمة، عبر التجارة وحرية التنقل والاتفاقات الاقتصادية المشتركة والزيارات الرسمية، ولذلك تجد من يطرح المعادلة اليوم بالشكل التالي: أين المصلحة العربية المشتركة بعزل سورية في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات التطبيع مع إسرائيل؟ وهل باتت تل أبيب أقرب لجامعة الدول العربية من دمشق؟السؤال الآن: هل عودة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية سيكون له شأن في ما يحصل على الأرض ويغير من موازين القوى المتشابكة؟ أم هل يقدم أو يؤخر الحل المنتظر لهذه الأزمة؟ الجامعة اليوم في حالة وهن وضعف ولم تعد مؤثرة في القرارات الكبرى في العالم العربي، لكنها تبقى صاحبة هوية عربية جامعة لكل الدول الأعضاء وإن كانت رمزية؟الواقع الجديد في سورية "يفرض مسؤولية على الأشقاء" كما هو لسان حال سامح شكري وزير الخارجية المصري، الداعي إلى استعادة دولة مركزية بعيدة عن التدخلات الخارجية، ومواقف بعض الدول العربية في هذا الملف فيه الكثير من الأخطاء والخطايا، لكنه ملف مفتوح على التدخلات الخارجية وبامتياز، والصراع بين الكبار لا يحتاج إلى شرح، فأميركا ما زالت تنظر إلى نظام بشار الأسد بأنه "دكتاتور وحشي" وروسيا تعتبره حليفا أبديا، وتركيا تسرح وتمرح في "إقليمها"، وإيران تستحوذ على مساحة من الأرض والنفوذ والقرار السياسي، وإسرائيل تلعب وتضرب وتهندس كما يحلو لها وساعة تشاء بالطيران أو بغيره. باختصار تحول هذا البلد العربي إلى "ملعب دولي" مفتوح على مصراعيه، فالأعلام الأميركية والتركية والإيرانية والروسية إلى جانب العلم الإسرائيلي لم يفارق شاشات تلفزيوناتنا منذ 11 سنة، وكان الرهان كبيراً على الثوار والمعارضة بتغيير النظام، لكن حساب الحقل لم يأت بحساب البيدر.هل انتهى الصراع على سورية وفي الداخل؟ بالطبع لم ينته بعد، فالملف ما زال مفتوحاً وعلى مصراعيه، فلا المجتمع الدولي استطاع أن يسجل أي تقدم ولا الدول الكبرى واللاعبة الأساسية على المسرح توصلت إلى تسوية فيما بينها على تقاسم الأدوار والحصص ومواقع النفوذ في دولة وقعت تحت محراب نظام مستبد وإرهاب متعدد الأشكال والألوان وتقاطع مصالح الكبار واستنزاف متواصل منذ عام 2011 حتى اليوم.
مقالات
ما الذي سيتغير إذا عادت سورية؟
15-11-2021