أكراد تركيا يستأنفون معركة حقوقهم اللغوية
طالما كانت حقوق اللغة الكردية جزءاً من مطالب الحركة السياسية الكردية في تركيا، حيث يبقى جزء كبير من الأكراد، لا سيما الشباب في المدن، بعيداً عن لغته التراثية، فكانت أنقرة قد منعت الأكراد من استعمال لغتهم الأم حتى بداية التسعينيات، ثم عادت ورفعت القيود المفروضة على هذه اللغة في السنوات اللاحقة، لكنها لم تتجاوب مع مطالب أخرى مثل إدراج اللغة الكردية في المناهج التعليمية والاعتراف بها كلغة رسمية، وقررت الأحزاب والجماعات المدنية الكردية استئناف نضالها في هذا المجال خلال الأشهر الأخيرة، تزامناً مع تشجيع الأكراد على تعلّم لغتهم التراثية، وقد نجحت هذه القضية في توحيد صفوف الأكراد من مختلف التوجهات، بدءاً من المحافظين وصولاً إلى اليساريين العلمانيين.في منتصف أكتوبر نظّم "حزب الشعوب الديموقراطي"، حامل لواء الحركة الكردية في تركيا، احتفالات في مقره الرئيس في أنقرة وأماكن أخرى للقيام بنشاط غير مألوف: تقديم الشهادات إلى أعضاء الحزب الذين تخرجوا من حصص اللغة الكردية كجزءٍ من حملته الأخيرة.بدأت هذه الحملة في فبراير الماضي في ديار بكر، فنُظّم اجتماع حضرته جماعات كردية متنوعة وعدد من الناشطين، ثم طالب المشاركون أنقرة بالسماح بتعليم اللغة الكردية واعتبارها لغة رسمية.
تدفق الأكراد العاديون إلى تلك الحصص التي تُعلّم اللهجة الكرمانجية من اللغة الكردية، وكانت الدروس تُعطى في البداية عبر الإنترنت بسبب القيود التي فرضها وباء كورونا.كان الأكراد قد استفادوا بكل وضوح من تباطؤ إجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومحادثات السلام بين أنقرة و"حزب العمال الكردستاني" المحظور الذي يحارب الدولة التركية منذ 1984، وفي الوقت نفسه تراجعت القيود المفروضة على اللغة الكردية، حتى أن المدارس أضافت دورة اختيارية لتعليم هذه اللغة. اتخذت الإدارات المحلية التي يقودها الأكراد خطوات إضافية، فأطلقت برامج ثقافية باللغة الكردية وفتحت دور حضانة تُعلّم هذه اللغة، كذلك، ظهرت أسماء كردية على لافتات الطرقات في القرى والشوارع، فلا يرتكز جزء كبير من التغيرات الحاصلة على أي أساس قانوني، لكن باتت اللغة الكردية تتمتع بهامش أوسع من الحرية في معظم المجالات، فتعاملت أنقرة مع هذا الملف بتسامح غير مسبوق في مرحلة معينة.لكن الوضع تغير بعد انهيار محادثات السلام في 2015، فأطلقت أنقرة حينها حملة قمعية شرسة ضد "حزب العمال الكردستاني" وفروعه في المدن والحركة السياسية الكردية، ثم اندثرت برامج اللغة الكردية في الجامعات نتيجة عوائق إدارية تحول دون تعليمها، واشتكى الأهالي الأكراد من تعرّضهم لضغوط شديدة كي لا يُسجّلوا أولادهم في الدورات الكردية الاختيارية، كذلك أُلغيت معظم الخدمات والنشاطات التي أطلقتها الإدارات المحلية باللغة الكردية نتيجة تعيين أمناء جدد بدل عشرات رؤساء البلديات الأكراد الذين طردتهم أنقرة بسبب ارتباطهم بـ"حزب العمال الكردستاني"، ولا يزال عدد كبير منهم وراء القضبان.لطالما طغت حملة "حزب العمال الكردستاني" المسلّحة على النضال الكردي لاسترجاع الحريات اللغوية، وقد ربط الكثيرون في الدولة التركية بين هذه المطالب والحركات الانفصالية والتعاون مع "حزب العمال الكردستاني" الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً، لكن جماعات كردية متنوعة تدعم توسيع الحقوق اللغوية اليوم، ولم يسبق أن تورّط معظم عناصرها في أي أعمال عنف.* محمود بوزارسلان