في أحدث تحرّك لمعارضي الرئيس قيس سعيّد، بعد آخر مسيرة حاشدة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس في 10 أكتوبر الماضي، وهو الرابع من نوعه، اشتبكت الشرطة التونسية، أمس، قرب مبنى البرلمان مع متظاهرين يحتجون على «الإجراءات الاستثنائية» التي أعلنها سعيّد ومنح نفسه بموجبها كل السلطات في البلاد تقريبًا، بما في ذلك الحكم بموجب مراسيم، قبل 4 أشهر.

وأغلق مئات من رجال الشرطة المنطقة التي كان يحتشد فيها آلاف المحتجين للمطالبة بأن يُعيد سعيد عمل البرلمان والحكم الديموقراطي، بينما حذّر اتحاد الشغل من «انفجارات اجتماعية».

Ad

وتجمع المتظاهرون في عدد من الشوارع المؤدية إلى ساحة باردو قبالة مقر البرلمان في العاصمة، إثر منعهم من الوصول إليها، حيث أغلقت قوات الأمن المداخل المؤدية إلى مقر البرلمان.

ويأتي التحرك استجابة لدعوة مبادرة «مواطنون ضد الانقلاب» المؤلفة من نشطاء وحقوقيين ومواطنين، للتظاهر ضد «حالة الاستثناء الاعتباطية»، ودفاعًا عن «الشرعيّة الدستورية والبرلمانية».

وربما تشكل المعارضة الصاخبة المتزايدة، إلى جانب أزمة تلوح في الأفق بالمالية العامة، اختبارا جديدا لكيفية تعامل سعيد والحكومة الجديدة التي عينها مع التهديدات لسلطتهما.

وهتف المحتجون بشعارات مطالبة بالحرية وإنهاء الدولة البوليسية، قائلين «الشعب يريد إسقاط الانقلاب... حريات دولة البوليس وفات (انتهت)»، وذلك أثناء قيامهم بإزالة حواجز كانت تسد الطرق المؤدية إلى مبنى البرلمان في قصر باردو بالعاصمة، مما أدى إلى وقوع الاشتباكات. وتتصاعد في تونس أزمات سياسية واقتصادية منذ 25 يوليو الماضي، حين بدأ سعيّد اتخاذ إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتشكيل أخرى جديدة عَيَّنَ هو رئيستها، في خطوة وصفها منتقدوه بانقلاب قبل تعيينه رئيسة وزراء جديدة وإعلان قدرته على الحكم بمرسوم.

وقال الرئيس إن الإجراءات التي اتخذها كانت ضرورية لإنهاء الشلل الحكومي بعد سنوات من الخلافات السياسية والركود الاقتصادي، ووعد بدعم الحقوق والحريات التي تم تحقيقها في ثورة 2011 التي جلبت الديموقراطية. وبدا أن تحركاته تحظى بشعبية واسعة، إذ تجمع الآلاف من أنصاره في مسيرة لدعمه الشهر الماضي.

ومع ذلك، تم اعتقال عدد من الساسة البارزين وتعرّض المئات للمنع من السفر، بينما يواجه الرئيس السابق الذي يعيش خارج تونس، المنصف المرزوقي، المحاكمة بسبب هجومه اللفظي على سعيّد.

وترفض غالبية القوى السياسية في تونس قرارات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها «انقلابًا على الدستور»، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها «تصحيحًا لمسار ثورة 2011»، التي أطاحت الرئيس آنذاك، زبن العابدين بن علي.

وجاء احتجاج أمس في أعقاب اشتباكات الأسبوع الماضي بين الشرطة والمحتجين في مدينة عقارب قُتل فيها شخص.

ويطالب المعارضون بعودة نشاط البرلمان وإنهاء تعليق الدستور ووضع حكومة إنقاذ وطنية.

في غضون ذلك، أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سمير الشفي، أمس الأول، أن «الوضع الاجتماعي في تونس صعب جدًا وينذر بانفجارات اجتماعية».

وقال، إن «التنكّر للوضع الاجتماعي بتعلة صعوبة الوضع الاقتصادي مقاربة فاشلة ولا يمكن أن تؤدي إلّا إلى المزيد من الأزمات والانفجارات الاجتماعية».

من جهته، وصف رئيس ائتلاف الكرامة، أحمد بلغيث، تطبيق الرئيس سعيّد للفصل 80 من الدستور بأنه كان انقلابا على الدستور والشرعية البرلمانية.

واعتبر بلغيث أن إجراء رفع الحصانة عن نواب البرلمان لم يكن الهدف منه متابعة ما وصفها بقضايا النواب الفاسدين، وإنما ملاحقة نواب بعينهم بملفات سياسية بامتياز، بحسب تعبيره.

تظاهرة في باريس

وفي سياق متصل، تظاهر عشرات التونسيين في العاصمة الفرنسية باريس، أمس، ضد «الانقلاب والإجراءات الاستثنائية» التي اتخذها سعيّد.

ورفع المتظاهرون شعارات رافضة للانقلاب على الدستور، كما نددوا بتجميد البرلمان ودعوا إلى الفصل بين السلطات في البلاد، واعتبروا أن تجميع كل السلطات بيد الرئيس أمر غير دستوري.

كما دعا المتظاهرون إلى العودة الفورية للمسار الدستوري والديموقراطي وإعادة عمل البرلمان.