هل يكون البحر الأسود ساحة حرب عالمية على الطاقة؟
مساعٍ أوروبية لتخفيف التصعيد العسكري بين روسيا وأوكرانيا... ولاجئون يحتشدون على حدود بولندا
وسط مخاوف من تدهور الوضع وتحذيرات أميركية - فرنسية من العواقب الخطيرة لأي انتهاك محتمل لوحدة أوكرانيا، نبّه حلف شمال الأطلسي إلى خطورة الحشد الروسي غير العادي للقوات على الحدود، في وقت تجمّعت حشود المهاجرين عند المعبر الحدودي بين بولندا وبيلاروس، في محاولة جماعية لاجتياحه.
تشير دراسات سياسية واقتصادية إلى إمكان أن يكون البحر الأسود في المستقبل ساحة المعركة الكبرى بالنسبة للطاقة في العالم، خاصة مع ما تشهده المنطقة من تجاذبات في الوقت الحالي بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في ظل توقعات بأن تتصاعد الأزمة وتتحول إلى نزاع غير محمود العواقب تحاول جميع الأطراف تجنّبه.وأشار تقرير لمركز الأبحاث الأميركي "المجلس الأطلسي" إلى أنه في السنوات الأخيرة تم اعتبار البحر الأسود خط المواجهة البحري في التوترات المتصاعدة بين الغرب وروسيا، مما أدى إلى مسارعة "ناتو" إلى تطوير أسلوب متعدد المستويات ساعد في تحسّن ملموس في الأمن الإقليمي.كما ذكر تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن قدرة روسيا على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد دول البحر الأسود تتيح لها الضغط عليها وابتزازها.
وأكد التقرير أنه يتعيّن على الدول الغربية زيادة قدرة جيوشها على التعاون في العمليات مع القوات المسلحة لدول البحر الأسود، وتحسين البنية الأساسية التي تستخدمها لإرسال تعزيزاتها في المنطقة.
الحشد قرب أوكرانيا
الى ذلك، بعد يوم من تأكيد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وجود 100 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية مع روسيا، تلقّت روسيا تحذيرات غربية جديدة من الإقدام على أي عمل عسكري ضد أوكرانيا. وأمس الأول، تحدّث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان حول نشاط عسكري روسي "مثير للقلق" يجري "في أوكرانيا وبالقرب منها"، وأكد الجانبان "استمرار التزامهما الصارم بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها"، بحسب المتحدث باسم "الخارجية" الأميركية، نيد برايس.وحذّر رئيس حلف ناتو، ينس ستولتنبرغ، موسكو من قيامها بأي أعمال عدوانية، مشيراً إلى رصد "تجمعات كبيرة وغير عادية لقواتها" قرب أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة.وقال ستولتنبرغ، خلال اجتماع مع وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، أمس إن "كل الدول الأعضاء في الحلف تدين بصوت واحد سلوك روسيا، وتعلم أنها كانت مستعدة لاستخدام هذه الأشكال من القدرات العسكرية من قبل للقيام بأعمال عدوانية ضد أوكرانيا"، مكرراً أن جميع الحلفاء يعتبرون ضم شبه جزيرة القرم "غير قانوني". من جهته، قال كوليبا، من مقر "ناتو" في بروكسل، "ما نراه حالياً على طول الحدود ليس تعزيزاً عسكريا بحتا، لأنّ روسيا نشرت أسطولاً عسكرياً على حدودنا في الربيع ولم تسحبه منذ ذلك الحين، وما نراه الآن هو وضع متدهور تثبت فيه روسيا أنها تستطيع بسرعة تفعيل القوات والمعدات التي حشدتها، وأن كل الخيارات، بما فيها العسكرية، مطروحة على طاولة القادة الروس".وفي ظل تزايد القلق الغربي من تحرّكات القوات الروسية بالمنطقة، قال الناطق باسم "الخارجية" الألمانية، كريستوفر برغر: "نراقب نشاطات روسيا العسكرية بقلق، ومن المهم أن تمارس ضبط النفس والشفافية، وبناء الثقة، حتى لا يتفاقم الوضع المتوتر في الأساس"، مضيفاً: "نجري اتصالات مكثفة مع شركائنا الأوروبيين وعبر الأطلسي، وهناك اتفاق على ضرورة منع التصعيد العسكري".وأشار المتحدث إلى اجتماع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا في بروكسل، مع فتح جهات اتصال للحوار مع روسيا، التي أكدت إمكانها نقل قواتها على أراضيها، وفقا لتقديرها الخاص، وأشارت مراراً إلى وجود البحرية الأميركية في البحر الأسود، وانتقدت مناوراتها مع الحلف.وفي وقت سابق، حذّر وزيرا الخارجية والجيوش الفرنسيان، جان إيف لودريان وفلورنس بارلي، بوضوح، نظيريهما سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، خلال اجتماع في باريس، "من العواقب الخطيرة لأي انتهاك محتمل آخر لوحدة أراضي أوكرانيا"، وأعربا عن مخاوفهما بشأن تدهور الوضع الأمني.الغاز والمهاجرون
من جهة ثانية، اتهم رئيس شركة الطاقة الأوكرانية يوري فيترينكو، أمس، روسيا باختلاق "نقص مصطنع" في سوق الغاز الطبيعي، وطالبها بزيادة الإمدادات إلى أوروبا للتخفيف من حدة أزمة الطاقة.على صعيد مواز، استبق المهاجرون العالقون على حدود بولندا وبيلاروس اتفاقاً محتملاً لإعادتهم إلى أوطانهم، وتجمّعوا عند معبر مغلق في ثاني محاولة كبيرة ومنسقة لاجتياح الحدود.وأكدت "الخارجية" البولندية أنها تجري مع دول البلطيق مباحثات موسعة مع مسؤولين أوروبيين والوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل (فرونتكس)، إضافة إلى العراق لتدشين آلية إعادة اللاجئين وتسيير رحلات جوية فورية لإعادتهم إلى أوطانهم في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن ليتوانيا بدأت في هذا الأمر، وبعدها العراق اعتباراً من بعد غد الخميس.لوكاشينكو و«الكرملين»
في المقابل، عرض رئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو، أن تنقل خطوطه الجوية "بيلافيا"، التي عاقبها الاتحاد الأوروبي أمس، المهاجرين إلى ألمانيا، ما لم توفر بولندا "ممراً إنسانياً"، مبيناً أن "العمل جار بشكل نشط في هذه المنطقة لإقناع الناس بالعودة إلى ديارهم، لكن أحدا لا يرغب في العودة".وشدد لوكاشينكو على أنه لا يرغب في أن تتصاعد أزمة المهاجرين إلى "نزاع".وإذ اعتبر الناطق باسم "الكرملين"، دميتري بيسكوف، أنه "من الخطأ" تحميل لوكاشينكو المسؤولية الكاملة عن أزمة المهاجرين، جدد استعداد روسيا للمساعدة في حلها كوسيط بالمفاوضات، متهما الولايات المتحدة بإساءة تفسير القضية.وقال بيسكوف: "إن تصريح بلينكن عن محاولات رئيس بيلاروس لصرف الانتباه عن تصرفات روسيا في أوكرانيا هو تقييم خاطئ من حيث الجوهر والأساس، ونحن لا نتفق معه"، مشيراً إلى أن الرئيسين الروسي والبيلاروسي على اتصال دائم، ويتبادلان جميع المعلومات اللازمة.وبضغط من ألمانيا، فرض الاتحاد الأوروبي، أمس، حزمة خامسة من العقوبات على حكومة لوكاشينكو طالت إلى جانب حرمان الخطوط الجوية البيلاروسية من استخدام أجواء أوروبا أو الهبوط في مطاراتها، شخصيات حكومية متورطة في تهريب اللاجئين، إضافة إلى دراسة فرض عقوبات اقتصادية.