في الأسابيع الأخيرة، تجلى بوضوح مدى الحماقة الاستراتيجية التي انطوت عليها سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع أفغانستان، فأولاً، عادت البلاد إلى سيطرة حركة طالبان التي أنشأتها واحتضنتها باكستان، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة تبدد أي أمل (ساذج) في أن يكون نظام طالبان هذا مختلفا عن ذلك الذي أطاحت به الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2001، فضلا عن مجلس الوزراء ومن يضم من قيادات الإرهاب الدولي، يشغل زعماء المخدرات مناصب عليا.

تمثل أفغانستان 85% من المساحة المزروعة بالأفيون على مستوى العالم، مما يجعل حركة طالبان أكبر اتحاد احتكاري لتجارة المخدرات في العالم، وهي تتحكم في إنتاج المواد الأفيونية وتفرض عليها الضرائب، وتشرف على الصادرات، وتحمي شبكات التهريب، يشكل كل هذا ضرورة أساسية لبقائها، ووفقا لتقرير حديث صادر عن فريق المراقبة المشكل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يظل إنتاج المخدرات المصنعة من نبات الخشخاش المخدر والعقاقير التخليقية يشكل "أكبر مصدر منفرد للدخل تعتمد عليه حركة طالبان"، الواقع أن طالبان تعتمد على تهريب المخدرات حتى أن قادتها اقتتلوا فيما بينهم في بعض الأحيان على تقاسم الإيرادات.

Ad

وتأمل طالبان زيادة دخلها من المخدرات قدر الإمكان، فمنذ استيلائها على أفغانستان، تضاعفت أسعار الأفيون هناك إلى كثر من ثلاثة أمثالها، وفي الهند- التي تقع بين مركزي إنتاج المواد الأفيونية الرئيسيين في العالم، "الهلال الذهبي" الباكستاني الأفغاني الإيراني، و"المثلث الذهبي" الذي يضم ميانمار وتايلند ولاوس- ازدادت المضبوطات من الهيروين الأفغاني المنشأ، وكما يحذر مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة، لن تؤدي الأزمة الاقتصادية التي تواجه أفغانستان حاليا إلا إلى زيادة جاذبية زراعة المحاصيل غير المشروعة في نظر المزارعين المحليين.

تمتد المشكلة إلى ما هو أبعد من المواد الأفيونية، ففي السنوات الأخيرة، وسعت أفغانستان بشكل كبير من إنتاجها من الميثامفيتامين (مادة مخدرة تخليقية). تكمن جاذبية هذه المادة في حقيقة مفادها أنها تعود على المنتجين بهامش ربح أعلى من الهيروين، نظرا لانخفاض التكاليف العامة والمكونات الزهيدة التكلفة، وخاصة الآن بعد أن أصبحت المادة الكيميائية التي تستخدم لتشكيلها، السودوإيفيدرين- المكون الشائع في أدوية البرد- تنتج محليا.

في العام الفائت، حذر المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان من أن صناعة الميثامفيتامين في أفغانستان من الممكن أن تصبح قريبا بحجم صناعة الهيروين، ورغم أن طالبان لم تكن تسيطر بعد على كابول في ذلك الحين، فإنها كانت تسيطر على غالبية مختبرات الميثامفيتامين السرية الصغيرة في أفغانستان.

تستخدم حركة طالبان عِـدة طرق تهريب لنقل المواد الأفيونية، وهي تنقل الإنتاج إلى أوروبا الغربية عبر القوقاز والبلقان، ومن هناك كل المسافة إلى أميركا الشمالية، وبمساعدة جماعة أنصار الله الإرهابية التي تتخذ من طاجيكستان مقرا لها، تستخدم أيضا طريقا شماليا إلى روسيا، أما الطريق الجنوبي الشرقي، الذي يمر متعرجا عبر باكستان، فيعمل على تمكينه مسؤولو أجهزة الأمن الباكستانية التي تتعاون مع طالبان وعصابات التهريب المعروفة محليا باسم "تنزيمات"، في مقابل رشا.

في عام 2008، عُـرِض تسجيل لمهرب مخدرات تابع لحركة طالبان يتفاخر بأن معظم مُـنتَـجه انتهى إلى الخارج، وقال مبتهجا: "جميل، أرجو أن يحول الله كل الكفار إلى جثث ميتة، وسواء كان ذلك عن طريق الأفيون أو بسلاح ناري، فهذا هو هدفنا المشترك". مع حرص طالبان على توجيه الأرباح من مبيعات المخدرات مباشرة إلى آلتها الإرهابية، تتجلى علاقة الارتباط بين عنف الإسلاميين وتهريب المخدرات بأكبر قدر من الوضوح.

هذا ليس حِـكرا على طالبان، الواقع أن الجماعات الإسلامية مثل بوكو حرام، والشباب، والقاعدة، مرتبطة أيضا بتهريب المخدرات، لكن لا نستطيع أن نجزم بأن كل الجماعات الإرهابية متفقة مع هذا النهج، فكما يشير تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2020، يعارض تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان- ذراع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأفغانية- تجارة المخدرات.

هذا أحد الأسباب التي تجعل هذه الجماعة عدوا لطالبان، على الرغم من العلاقات الشخصية القائمة منذ أمد بعيد، وتاريخ من النضال المشترك، والإيمان المشترك بالإسلاموية العنيفة، وفي الواقع، عندما سيطر تنظيم داعش خراسان على إقليم ننجرهار الحدودي الأفغاني، أغلقت طرق التهريب التي تسلكها طالبان إلى باكستان، ولم يُـسـتَـرَد هذا الممر إلا بعد أن سحقت الولايات المتحدة والقوات الحكومية الأفغانية معقل تنظيم داعش خراسان هناك.

هذا يسلط الضوء على فشل الولايات المتحدة- والغرب في عموم الأمر- في إدراك الروابط المعقدة على الرغم من وضوحها بين تهريب المخدرات والإرهاب الإسلاموي. لو أعقب غزو أفغانستان في عام 2001 حملة أميركية لاعتقال ومحاكمة قادة حركة طالبان بسبب أنشطتهم في تهريب المخدرات في المحاكم الأميركية، لكانت جاذبية هذه الجماعة ستتضاءل بشدة بين المسلمين الأصوليين.

اقـتُـرِحَت مثل هذه الخطة في عام 2012، وفي مذكرة من 240 صفحة، أوصت إدارة مكافحة المخدرات والعديد من مسؤولي وزارة العدل في الولايات المتحدة بمحاكمة 26 من كبار قادة حركة طالبان وأباطرة المخدرات المتحالفين معها بتهمة التآمر الإجرامي. نجح نهج مماثل في كولومبيا، وساعد في إجبار تنظيم "القوات المسلحة الثورية في كولومبيا" (فارك) الممول بأرباح المخدرات على عقد اتفاق سلام مع الحكومة الكولومبية في عام 2016، بعد 52 عاما من حرب العصابات.

لكن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين رفضوا استخدام هذه الاستراتيجية ضد طالبان، وكان هذا خطأ استراتيجيا بدأت تكاليفه تتكشف للتو، ومن خلال السماح لحركة طالبان بإثراء نفسها وإدامة بقائها بالاستعانة بأرباح المخدرات خلال الحرب التي استمرت عشرين عاما في أفغانستان، ساهمت الولايات المتحدة في الهزيمة المهينة التي منيت بها على يد منظمة إرهابية يقودها تجار مخدرات.

لم يفت الأوان بعد لاستهداف طالبان باعتبارها عصابة مخدرات من خلال المحاكم الفدرالية الأميركية، فقد تسببت المواد الأفيونية الأفغانية المنشأ في ارتفاع معدلات إدمان المخدرات والوفيات نتيجة لتعاطيها في مختلف أنحاء العام، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى إفريقيا وآسيا، ونظرا للمحنة الاقتصادية التي تعيشها أفغانستان، فإن حركة طالبان لديها من الحوافز القوية ما يحملها على زيادة الإنتاج والإتجار.

من خلال تسليط الضوء على علاقة الارتباط بين الإرهاب الإسلاموي وتجارة المخدرات العالمية، كانت لائحة الاتهام الأميركية ضد زعماء المخدرات التابعين لحركة طالبان ستساعد في بناء تعاون متعدد الأطراف لسحق مصدر الدخل الرئيس الذي تعتمد عليه الجماعة، عن طريق اعتراض سبيل الشحنات ومصادرة الأرباح غير المشروعة، والتي غالبا ما تودع في بنوك أو تستثمر في العقارات في الخارج.

إذا لم تبادر الولايات المتحدة إلى قيادة جهد دولي للتصدي لإنتاج أفغانستان من المواد الأفيونية والميثامفيتامين، فإن قوة طالبان- وقدرتها على ارتكاب الفظائع- ستزداد بكل تأكيد، وستعمل دولة المخدرات التي تديرها كملاذ لتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية العنيفة، وفي ظل الظروف الحالية يستطيع العالم أن يتوقع طفرة كبرى في الإرهاب الدولي والجرعات المفرطة في الأشهر والسنوات المقبلة.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف العديد من الكتب، تتضمن «الطاغوت الآسيوي»، و»المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا»، و»المياه، والسلام، والحرب: مواجهة

أزمة المياه العالمية».

* براهما تشيلاني

Project Syndicate