يصف دبلوماسي عربي مخضرم، الوضع في لبنان بأنه وصل إلى مربع الأزمات، التي يصبح معها البلد مطوقاً ومقيداً ومكبلاً. وهو يتحدث عن أربع أزمات قابلة لأن تنفجر في أي لحظة، أولاها أزمة السلطة وطريقة إدارتها، والثانية أزمة الدستور والنظام، والثالثة الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج، والرابعة الأزمة الاقتصادية.

ثمة قراءة دولية تشير إلى أن الانفجار حتمي ووشيك، وأن المساعي الخارجية المتواصلة لمنعه تبدو في غاية الصعوبة، لاسيما أن طلب بريطانيا من رعاياها عدم السفر إلى لبنان مؤشر على خطورة الوضع.

Ad

لا أحد يمكنه الجزم كيف سيكون شكل هذا الانهيار، وفق ما يقول الدبلوماسي العربي، لكن كل مؤشرات التصعيد تتزايد، في ظل غياب أي مسعى جدّي للخروج من الأزمات، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان الانهيار الشامل مطلوباً داخلياً وخارجياً.

تداعيات رفع الدعم عن الأدوية والمحروقات، والأزمات داخل مؤسسات الدولة، وحالة الترهل المعطوفة على الاستعصاء السياسي، لا تنذر فقط بانهيار مالي واقتصادي، بل ستؤدي إلى انهيار الدولة بكامل هيكليتها ونظامها الإداري، وهو ما يعني أن الدولة ستدخل في حالة شلل طويلة سيكون لها انعكاسات على الواقع الأمني والاجتماعي.

المسار السياسي يساعد على تسريع وتيرة الانفجار، خصوصاً في ظل الصراع القضائي الذي لم يعد يقتصر على تنحية القاضي طارق البيطار، المحقق بتفجير مرفأ بيروت، بل تعدى ذلك إلى حدود البحث في إمكانية إطاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، تحت ذريعة أنه يوفر الحماية للبيطار.

وستكون لاستبعاد عبود، إذا حصل، ارتدادات خطيرة على الواقع القضائي والسياسي والاجتماعي، وكذلك على العلاقة مع المجتمع الدولي.

طرح فكرة إقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى تقابلها شروط أخرى تتعلق بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكل هذا العبث السياسي سيؤدي إلى وقوع الانفجار الكبير.

يأتي ذلك على وقع الأزمة الدبلوماسية المستمرة مع دول الخليج، في وقت تشير بعض المعلومات إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التصعيدية الخليجية.

وهذه الأزمة المتفاقمة ستقود لبنان، الذي لم ينجح في إيجاد السبل الجدية للمعالجة، إلى المزيد من العزلة عن العرب، في حين يستمر بحث الدولة اللبنانية عن متنفس مع الإدارة الأميركية من بوابة ملف ترسيم الحدود.

وتكشف مصادر رسمية أن لبنان يبدي كل الاستعداد للتساهل في موضوع الترسيم، وصولاً إلى تقديم اقتراح جديد ينطلق بالتفاوض من مساحة 860 كلم مربع، وطرح نظرية جديدة هي نظرية "الخط المتعرج"، الذي يمنح لبنان مساحة أوسع بقليل من 860 كلم للحفاظ على ماء الوجه. وإذا نجح لبنان في توقيع الاتفاق فسيكون ذلك باباً لتخفيف التوتر والتشنج، لكن المصادر الرسمية تقول إن الكلمة النهائية في هذا الأمر هي لـ "حزب الله".

في الأثناء، يبحث رئيس الجمهورية ميشال عون عن متنفس آخر في السنة الأخيرة من عهده، من خلال إجراء زيارات خارجية إلى عدد من الدول، وهو يتحضر لزيارة دولة قطر في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، للمشاركة في افتتاح كأس العرب، كما يسعى إلى عقد لقاءات مع المسؤولين، وكذلك كان عون يبحث في إمكانية السفر إلى دولة الإمارات للمشاركة في مناسبة عيد الاستقلال اللبناني في معرض إكسبو دبي، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.

تتخطى الأزمة اللبنانية كل هذه التفاصيل، ولا مساعي دولية تبدو قادرة على لجم مسار الانهيار، مما سيجعل البلد على حافة صراع كبير حول طبيعة الدستور والنظام، وهو ما سيكون مطروحاً في الأشهر المقبلة، سواء أجريت الانتخابات أو أُجلت.

منير الربيع