من صيد الخاطر: «نَعِمَ كلْبٌ في بُؤْسِ أَهْلِهِ»
"نَعِمَ كلْبٌ في بُؤْسِ أَهْلِهِ"، مثل عربي يضرب للرجل ينتفع بضرر غيره، وأصل المثل أن إعرابياً كان له بعير يكريه، فينتفع بما يعود منه، وكان له كلب يقصّر في إطعامه، وهو يتلف جوعاً لأجل إطعام البعير، فحصل أن مات مصدر رزق الأعرابي، مما أدى إلى سوء الحال، بينما اتجه الكلب إلى خصبها، فقال الأعرابي في ذلك:إن السعيد من يموت جمله يأكل لحماً ويقل عمله
وينطبق على هذا المثل قول المتنبي:بذا قَضَت الْأَيَّام مَا بَين أَهلهَا مصائب قوم عِنْد قومٍ فَوَائِدفهناك مصائب تصيب قوماً فتبعث المسّرة في غيرهم، كهلاك الظالم، فهلاكه يبعث السرور في قلوب من ظلمهم، وقد حصل أن مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، فقال: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَر، وَالدَّوَابُّ".وقيل أيضاً في ذلك: هكذا عادة الأيام، سرور قوم مساءة آخرين، وما حدث في الدنيا حدث إلا سرّ به قوم وسيء به آخرون، والأمثلة كثيرة على ذلك ولا حصر لها، عن أناس استفادوا من مصائب غيرهم، وتجار استفادوا من خسارة منافسيهم، ودول استفادت من هزيمة أعدائها.إنها إحدى سنن الحياة، ولا راد لسنن الله في خلقه، فخسارة البعض قد تكون في صالحك من غير أن تدري ولا حتى أن تشعر، بل حتى من غير أن يكون لك يد في كل ما حصل لغيرك.