يقول الكاتب والروائي فولتير: "احكم على الرجل من أسئلته، لا من أجوبته".

تتنوع الأسئلة في طبيعتها وفيما يراد منها، فمنها سؤال طلب ومنها سؤال عتب، منها سؤال استفسار، ومنها سؤال اختبار! منها أسئلة لتقصي الحقيقة، ومنها اسئلة لإقصاء الحقيقة وتشويهها! منها ما يراد منه التمجيد والإكبار، ومنها ما يراد منه التحقير والاستصغار! بعض الأسئلة جميل مبهج، وبعضها قبيح محرج، بعضها هزيل وخامل، وبعضها قوي وقاتل، بعضها إن سكتَّ عنه سلمت وإن جاوبت عنه ندمت، بعض الأسئلة لطيف بريء، وبعضها قاسٍ جريء، بعضها يقودنا للتفكير والإبداع، وبعضها للتضليل والخداع... بعضها خاص ولا يصلح نشره للعوام، وبعضها للصحافة والإعلام.

Ad

الصحافة والإعلام... هو أكثر ميدان نرى فيه قوة تأثير السؤال وتبعاته، فقوة الصحافي مثلاً تعتمد على نوعية أسئلته وطريقة إلقائها، وكذلك المُحاور الناجح الذي يجيد طرح الأسئلة المدروسة، ويُخرج أفضل ما يمكن سماعه من ضيفه للمشاهدين، فيحرص كل الحرص على أن يكون اللقاء غنيا بالحقائق القيمة، مراعيا بذلك عقول المتابعين ووقت البرنامج، وهذه النباهة لا تقتصر على عمل الإعلامي فقط، فكذلك الضيف النبيه المتيقظ الذي لا يكتفي بالردود اللبقة فحسب، بل قد يصحح السؤال للمذيع، ولا يضطر للإجابة عن سؤال مشوّه أو ملغوم، ويدخل نفسه في حرج.

أما في مجال التربية والتعليم فللأسئلة تعامل آخر، يقول الأستاذ الجامعي في الفنون الجميلة Josef Albers: التدريس الجيد يكون في طرح الأسئلة الصحيحة أكثر من تقديم الإجابات الصحيحة.

ولهذا نلاحظ أن المعلم المبدع هو من لديه القدرة على تحفيز رغبات طلابه في تلقي المادة العلمية بطرق متنوعة، كطريقة طرح الأسئلة المشوقة، أسئلة مفتوحة متعددة الأبعاد واسعة الآفاق تستنهض العقل للتفكير والتفسير والتحليل.

فالسؤال الجيد يجر خلفه آلاف التساؤلات المعتبرة التي تحتاج منا إلى إعادة نظر وتأمل، والإجابة عنها تحتاج لتحضير مسبق للدرس القادم، فلذلك ينبغي منا احترام عقول الطلبة واعطاؤهم مساحة أكبر للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وتساؤلاتهم، ولا يتم ذلك إلا عن طريق فتح الحوارات، والتنافس في صياغة الأسئلة المناسبة.

ولكن للأسف؛ تعتمد أغلب طرق التدريس في مناهجنا العربية على طريقة تلقين المعلومة، ثم استرجاعها على ورقة الاختبار كما هي مكتوبة بالضبط في الكتاب!

الكتاب المقرر ينبغي أن يكون مساعداً لعرض المواضيع، وليس مرجعا تؤخذ منه كل الأجوبة، وتستخرج منه كل الأسئلة، ويقيم منه مستوى الطالب بنسبة 100 في المئة !

ألم نتساءل: لماذا يرمي أو يتلف بعض الطلبة كتبهم المقررة بعد انتهاء العام الدراسي مباشرة، وكأنهم ينتقمون منها؟ والعجيب أنهم لا يرمون الكتب التي اشتروها باختيارهم بنفس الطريقة؟!

لابد لنا أن نعيد النظر في طرق التدريس والتقييم وألا نرتكز على طريقة واحدة في التقييم وهي "اختبار قوة الذاكرة"!

د. محمد عبدالرحمن العقيل