هل ينتخب الإيطاليون شريكاً قوياً للولايات المتحدة؟
الولايات المتحدة ستستفيد من نشوء قيادة إيطالية أكثر قوة على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، فترنح السياسة الإيطالية خلال السنوات القليلة المقبلة سيتوقف على قيادة الائتلاف اليميني الوسطي في إيطاليا والخيارات التي تقوم بها.
تبدو السياسة الأميركية أكثر شبهاً بالسياسة الإيطالية اليوم، فهذا الوضع لن يكون إيجابياً بالضرورة بالنسبة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين.تشمل الولايات المتحدة حزبَين أساسيَين حتى الآن، لكنّ الانقسامات الحادة بينهما تزيد صعوبة حصد الإجماع وحُكم البلد بطريقة معتدلة، فهذه الظروف تحاكي وضع السياسة الإيطالية التي تشمل أحزاباً متعددة، فتعمد مختلف الجهات إلى شدّ شبه الجزيرة في اتجاهات مختلفة، وقد كشفت الانتخابات البلدية الأخيرة وجود تصدعات أكثر عمقاً، فبدت النتائج متناقضة بالنسبة إلى الأميركيين الذين يبحثون عن شريك أكثر قوة في جنوب أوروبا.شكّلت هذه الانتخابات ضربة موجعة للائتلاف اليميني الوسطي الحاكم في إيطاليا، وفي المقابل، حصد التقدميون المكاسب في جميع المدن الأساسية تقريباً: روما، ميلانو، تورين، بولونيا، نابولي، ولم يفز الائتلاف اليميني الوسطي إلا في تريستا.
تعرّض اليمين الوسطي لهذه الهزيمة المدوية بسبب الانقسامات السياسية الداخلية في الائتلاف الحاكم. يدعم حزبا "الرابطة" و"فورزا إيطاليا" رئيس الوزراء ماريو دراغي، فضلاً عن التقدميين في الائتلاف الحكومي الراهن، أما "إخوة إيطاليا"، فهو الحزب المعارِض الأساسي.لكن لا أحد يعرف بعد إلى أي حد تشير الانتخابات البلدية إلى حصول تغيّر حقيقي أو زيادة الفوضى بكل بساطة، فقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات متدنية (أقل من 50%)، لذا لا يعكس فوز التقدميين في المدن الكبرى إرادة معظم الناخبين المؤهلين. تاريخياً، تُعتبر المدن معاقل للتقدميين، لكن تتراجع نسبة دعمهم في الضواحي والأرياف حيث يكون الناخبون أكثر ميلاً إلى المشاركة في الانتخابات الوطنية.في الوقت نفسه، لم توضح الانتخابات المحلية بالكامل طبيعة العلاقة بين "الحزب الديموقراطي" و"حركة النجوم الخمسة"، وهما أبرز قوتَين سياسيتَين في المعسكر الوسطي اليساري الإيطالي، فقد تحالف هذان الحزبان في نابولي، لكنهما ترشّحا بشكلٍ منفصل في المدن الأخرى (مثل ميلانو وروما). في مطلق الأحوال، اتّضح ضعف "حركة النجوم الخمسة" في هذا الاستحقاق، فقد حقق الحزب نتائج أفضل في عام 2016 في روما وتورين، حين ترشّح وحده.باختصار، لم يتّضح بعد مدى قدرة التقدميين على تشكيل جبهة موحّدة وناجحة في أي انتخابات وطنية مستقبلية، فلا تؤثر الانتخابات البلدية تلقائياً على الاستحقاقات الوطنية ككل، ولا يزال الائتلاف اليميني الوسطي الأوفر حظاً في الانتخابات العامة في عام 2023.وحتى لو تجنّب اليمين الوسطي الأخطاء والمنافسات والمعارك الداخلية التي تطبع الإجماع الانتخابي الذي أساء إليه في الانتخابات البلدية، لا شيء يثبت قدرته على تشكيل ائتلاف حاكم قادر على التحوّل إلى شريك قوي للحزب الديموقراطي الأميركي، ويبدو الائتلاف اليميني الوسطي أكثر تناقضاً، فهو لا يحمل آراءً سياسية متماسكة بقدر الجمهوريين الأميركيين، وتتراجع الروابط المؤسسية التي تجمعه مع السياسيين الأميركيين من الحزبَين، لكنه كلي الوجود على مستوى العلاقات الأوروبية والعابرة للأطلسي. لكن من المستبعد أن تُغيّر الانتخابات الوطنية السياسات الخارجية التي يتبناها الائتلاف الحكومي الكبير بقيادة ماريو دراغي. كانت سياسات دراغي، منذ وصوله إلى السلطة، أكثر انحيازاً للولايات المتحدة، لكنه يواجه منافسة كبرى، إذ من المنتظر أن تحصل انتخابات مهمة لاختيار رئيس الجمهورية المقبل في شهر فبراير.قد يتحول هذا الاستحقاق إلى مبارزة سياسية غير مباشرة تتعلق بنفوذ واشنطن وبكين، حيث يتعدد المرشحون المحتملون للرئاسة، منهم دراغي الذي يُعتبر مقرّباً من واشنطن، ورئيس الوزراء السابق رومانو برودي، وهو من أشرس داعمي تكثيف "الحوار" بين روما وبكين، الائتلاف اليميني الوسطي معروف بقربه من الولايات المتحدة اليوم، وهو يشعر بالقلق من تسلل الصين إلى إيطاليا. على الجانب الآخر من الحياة السياسية، يبدو الوضع أكثر فوضوية، حيث تبدي "حركة النجوم الخمسة" مواقف متساهلة تجاه بكين، في حين يحمل "الحزب الديموقراطي" آراءً متنوعة حول الصين.تطرح روسيا مشكلة أخرى، حيث يبدو معسكر اليمين الوسطي منقسماً حول هذه المسألة: فبعضهم من موالي الولايات المتحدة، وبعضهم الآخر موال لروسيا، ويدعم باولو فورمنتيني من حزب "الرابطة" حلف الناتو مثلاً، في حين يؤيد عدد كبير من أعضاء حزبه بوتين، لكن زادت برودة العلاقات مع روسيا بشكل عام في آخر سنتين، وتحديداً منذ أن بدأ الحزب يطلق مواقف معادية للصين، ونتيجة تُهَم مفادها أن روسيا حاولت التدخّل في سياسة الحزب الداخلية في عام 2019.وفي ما يخص الاستقلالية الاستراتيجية، يعبّر فورمنتيني، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عن تأييده القوي لحلف الناتو، لكنّ حزب "الرابطة" ليس موالياً لفرنسا بشكل عام، وتُعتبر باريس أول جهة تدعم نشوء هوية أمنية أوروبية مستقلة.في نهاية المطاف، لا يُركّز الائتلاف اليميني الوسطي الإيطالي على السياسة الخارجية بدرجة كبيرة، وهذا النهج يعوق قدرته على أداء دور قيادي في العلاقات العابرة للأطلسي، وفي المقابل، يتخذ منافسوه خطوات استباقية على مستوى السياسة الخارجية. يرتبط "الحزب الديموقراطي" بعلاقات وثيقة مع الحزب الديموقراطي الأميركي، وتدعم "حركة النجوم الخمسة" الصين بقوة، أما سياسة بايدن الخارجية، فهي عبارة عن فوضى عارمة ولا يؤيد أي حزب سياسي أميركي بارز التساهل مع الصين.ستستفيد الولايات المتحدة حتماً من نشوء قيادة إيطالية أكثر قوة على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وفي حين تترنح السياسة الإيطالية خلال السنوات القليلة المقبلة، قد تتطور هذه القوة أو تضعف، سيتوقف الوضع على قيادة الائتلاف اليميني الوسطي في إيطاليا والخيارات التي تقوم بها.