هي المحاكمات الدولية الأولى في التاريخ، وتحل علينا الآن ذكراها الـ 76 ، شارك فيها قضاة من ٤ دول، هي: أميركا، والاتحاد السوفياتي (لم يعد موجوداً)، وبريطانيا، وفرنسا، وهي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لذلك أطلق على تلك المحاكمات "عدالة المنتصر".كانت التهم أيضاً غير معتادة، كجرائم ضد السلام، وجرائم حرب، وضد الإنسانية، والمصطلح الجديد "الإبادة الجماعية" (genocide).
انقسمت المحاكمات إلى 13 محكمة، كانت أهمها وأولاها التي حاكمت 24 من القيادة النازية العليا، وقضت بعد 10 أشهر بإعدام 12 شنقاً، وبالسجن مدداً متفاوتة لـ 7، وبراءة 03 وقد أقدم روبرت لي على الانتحار في السجن، أما هيرمان جورنج، أعلاهم منصباً، وخليفة هتلر، فانتحر بالسم، قبيل ساعات من إعدامه، وكتب قبلها: "كنت سأقبل القتل رمياً بالرصاص. الشنق طريقة مهينة، لذا فضلت قتل نفسي، على أن أعدم بالشنق من أعدائي".ترأس الوفد الأميركي القاضي في المحكمة العليا روبرت جاكسون، وقال إنه لا يريد أن تصبح تلك المحاكمات مسرحية، "فإن كنا نريد قتل الألمان، فلا يجب استخدام المحكمة لتبرير ذلك"، وقد انتقده زميله في المحكمة العليا القاضي الأميركي هارمان ستون نقداً لاذعاً، حيث كتب عن جاكسون: "إنني أكره استخدام المحكمة بهذه الطريقة المقاربة للخداع".وقد استمرت المحاكمات لأشخاص نازيين أقل رتبة، كأطباء، وقضاة، ومحامين حتى الخمسينيات، وتم اتهامهم بتنفيذ برنامج "العرق النقي" النازي، من خلال إصدار وتنفيذ قوانين، وإجراء تجارب، لتحقيق ذلك.إلا أن تلك المحاكمات، بسبب خلافات بين الحلفاء، تم النظر فيها عبر محاكم عسكرية أميركية، وهي عدالة منتصر أيضاً، وتم عبرها إدانة 5025 شخصاً، وإعدام 806 أشخاص.أما بالنسبة لأدولف هتلر واثنين من قياداته، فقد انتحروا مع نهاية الحرب الثانية بالهزيمة، والبقية فروا من ألمانيا.ومع كل النواقص في محاكمات "عدالة المنتصر" تلك، فإن المبادئ التي طرحتها دفعت إلى صدور العديد من الاتفاقيات الدولية حول الإبادة الجماعية، واتفاقيات جنيف حول قوانين الحرب، وكذلك الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.وتبقى فكرة محاسبة المجرمين، وعدم إفلاتهم من العقاب، فكرة أساسية لاستقرار المجتمعات، لذلك، ما إن انتهت الحرب الباردة، واشتعلت الحروب مرة أخرى في يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، وسيراليون وغيرها، حتى برزت، في سياق آخر، غير عدالة المنتصر، فكرة إنشاء محاكم خاصة، إلى أن وصلنا إلى اتفاقية روما، والمحكمة الجنائية الدولية 2002 ، والتي مازالت بحاجة إلى الكثير لتحقيق الفعالية، وللحديث بقية.
أخر كلام
محكمة تاريخية... وماذا بعد؟
22-11-2021