خاص

د. خالد الفايز لـ « الجريدة• » : الحرمان الأبدي من الانتخاب والترشح إهدار لقواعد الدستور

• عدم النص على رد الاعتبار في قانون «المسيء» لا يعني عدم تطبيقه
• الحرمان المطلق والمؤبد ينطوي على التعدي على الحقوق الطبيعية

نشر في 23-11-2021
آخر تحديث 23-11-2021 | 00:06
مجلس الأمة
مجلس الأمة
أكد أستاذ القانون العام في كلية القانون الكويتية العالمية د. خالد الفايز، أن عدم نص المشرع في القانون رقم 27 /2016 المعدل لأحكام قانون الانتخاب، على أحكام رد الاعتبار لمن يرتكب جرائم الإساءة للذات الإلهية أو الأمير، يتطلب تطبيق قواعد رد الاعتبار الواردة في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية باعتبارية الشريعة العامة.
وأضاف د. الفايز لـ «الجريدة» أنه لا يمكن القبول بالحرمان الأبدي من حقي الانتخاب والترشح للمدانين في الجرائم المنصوص عليها في القانون؛ لأن ذلك الحرمان مخالف لأحكام الدستور، وإهدار لقواعده.
لقد ثار خلاف وجدل حول ما إذا كان التعديل، الذي جاء به القانون رقم (27) لسنة 2016، يحرم كل من أُدين بجريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء والذات الأميرية حرماناً أبدياً أم مؤقتاً من حق الترشح، حيث فُسر ذلك بأن المشرع العادي تعمد في صياغة التعديل السابق إلى عدم الإشارة بشأن رد الاعتبار، بخلاف نص الفقرة «الأولى» من المادة «الثانية» من القانون رقم (35) لسنة 1962، الأمر الذي يُفهم منه أن الحرمان هنا حرمان أبدي من حق الترشح، وهو الأمر الذي قضت به المحكمة الدستورية كمحكمة طعون انتخابية بأن الحرمان المترتب على التعديل الذي جاء به القانون رقم 27 لسنة 2016 هو حرمان أبدي من حق الترشح.

وكان التعديل الذي طرأ على قانون انتخابات اعضاء مجلس الأمة رقم 35 لسنة 1962 بحرمان كل من أدين بحكم نهائي في إحدى الجرائم المنصوص عليها من حق الانتخاب، إنما يخاطب – بموجب قوة نفاذه الفوري وفق أثره المباشر- كل من تمت إدانته بحكم نهائي في إحدى الجرائم المنصوص عليها فيه، وأدركه هذا التعديل قبل انقضاء الآثار الجانبية لذلك الحكم، وهو ما يعد تطبيقاً مباشراً له وليس تطبيقاً رجعياً، مما يترتب عليه حرمانه نهائياً من هذا الحق (طعن انتخابي رقم 15 لسنة 2020).

ونرى أن الحرمان الأبدي من حق الترشح لا يجوز ويخالف نصوص وأحكام الدستور والقانون، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: أن الدستور الكويتي كفل حق الترشح، وهو من الحقوق السياسية الدستورية، وكما هو معلوم أن المشرع العادي عندما يقوم بتنظيم أية حق من الحقوق الدستورية تكون سلطته بصدد ذلك مقيدة، بحيث لا يجوز أن يترتب على ذلك التنظيم مصادرة أصل الحق وإهداره أو الانتقاص منه، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها، ومنها على سبيل المثال «أنه ولئن عهد الدستور جانب التنظيم في شأن هذه الاجتماعات إلى القانون، إلا انه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه، وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق، أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون – فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم – مخالفا للدستور» (الطعن رقم 1 لسنة 2005 دستوري).

ثانياً: أن القضاء الدستوري المقارن ذهب في بعض الأحكام، التي أصدرها، إلى عدم دستورية الحرمان الأبدي، ومن ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر الصادر بتاريخ 21/06/1986، حيث جاء فيه: «وحيث إنه لما كان مقتضي نص الفقرة (الأولى) من المادة (الرابعة) من القانون رقم (33) لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، حسبما يبين من عباراتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم في الانتماء إلى الأحزاب السياسية ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة حرماناً مطلقاً ومؤبداً، بما ينطوي على إهدار لأصل تلك الحقوق ويشكل بالتالي اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين (5، 62) من الدستور» (قضية رقم 56 لسنة 6 قضائية دستورية).

وكذلك في حكم آخر لها صدر بتاريخ 7/ 5/ 1988 حيث جاء فيه: «لما كان ذلك وكان البند (سابعاً) من المادة (الرابعة) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما تضمنه من اشتراط «ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التجنيد أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل 1979» مؤداه حرمان فئة من المواطنين من حقهم في تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً، وهو ما كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة (الخامسة) منه، وقد رتب النص المطعون عليه – في شق منه – هذا الحرمان على أخذ هؤلاء الأشخاص بآرائهم التي تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، السالفة الذكر، فإن هذا النص يكون قد انطوى على إخلال بحرياتهم في التعبير عن الرأي وحرمانهم مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية، بما يؤدي إلى مصادرة هذا الحق وإهداره، ويشكّل بالتالي مخالفة للمادتين (5، 47) من الدستور» (قضية رقم 44 لسنة 7 قضائية دستورية).

ونلاحظ مما سبق أنه لا يجوز الحرمان الأبدي لأحد الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور، حيث إن الحرمان الأبدي لها يُعد مصادرة لأصل تلك الحقوق والحريات وإهداراً لها.

ثالثاً: عندما نصّ الدستور الكويتي على الحقوق والحريات العامة نص عليها من أجل ممارستها، ولا يمنع ذلك من تنظيمها طالما لم تكن من الحقوق والحريات المطلقة، ولكن ذلك لا يعني الحرمان من ممارستها أبديا، وهو الأمر الذي يتعارض مع طبيعة الحقوق والحريات العامة، وخصوصاً حق الترشح.

رابعاً: أن ذلك التعديل يهدف في حقيقته إلى إقصاء بعض الأشخاص من الترشح مرة أخرى، وهؤلاء الأشخاص محددون سلفاً، وهم من صدرت ضدهم عقوبات تتعلق بجرائم المساس بالذات الأميرية، حيث أعلن بعضهم خوض الانتخابات بعد مقاطعتها في السنوات الماضية، الأمر الذي يجعل ذلك التشريع صورة من صور الانحراف التشريعي، حيث لم تكن غايته المصلحة العامة، كما يعزز ويؤكد فكرة الانحراف التشريعي لذلك القانون هو رغبة واضعيه في تطبيقه بأثر رجعي، إضافة إلى توقيت إقراره من قبل مجلس الأمة، حيث شارف الفصل التشريعي على الانتهاء، كما أنه تم إقراره بصورة مستعجلة تتنافى مع أصول الديموقراطية الصحيحة فيما يتعلق بمناقشة البرلمان للقوانين وإقرارها، حيث تم إقرار القانون رغم أهمية وخطورة النتائج المترتبة عليه من خلال مداولتين في الجلسة ذاتها، وفقاً للاستثناء الوارد في المادة 104 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

خامساً: إن عدم النص على رد الاعتبار في التعديل الذي جاء به القانون رقم 27 لسنة 2016 لا يعني حرمان من أدين في الجرائم الماسة بالذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية من حق الترشح نهائياً، حيث لم ينص المشرع صراحة على عقوبة الحرمان الأبدي من حق الترشح والانتخاب، تطبيقاً لنص المادة 32 من الدستور، والتي تقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، كما أنه في هذه الحالة يجب اللجوء إلى قانون الإجراءات الجزائية، باعتباره الشريعة العامة بشأن رد الاعتبار، حيث تنص المادة 244 من القانون رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية على أنه: «كل حكم بعقوبة تظل آثاره الجنائية قائمة إلى أن يسترد المحكوم عليه اعتباره بحكم القانون أو بحكم قضائي، ويترتب على رد الاعتبار القانوني أو القضائي محو الحكم بالإدانة بالنسبة إلى المستقبل، وزوال كل ما يترتب عليه من آثار جنائية».

وبناء على كل ما سبق نرى بعدم جواز الحرمان الأبدي من حق الترشح، وأن مثل ذلك الحرمان يخالف نصوص الدستور لما يشكله من مصادرة لحق الترشح وإهداره.

● حسين العبدالله

التعديل 27 /2016 لقانون الانتخاب يتضمن انحرافاً تشريعياً لاتجاه مقاصده إلى حرمان بعض الشخصيات

التعديل لم يتضمن صراحة حرمان مرتكب الجرائم المشار إليها
back to top