عون يفتح معركة الرئاسة مبكراً ويعرض تسوية بشروطه
ضياع «المستقبل» يربك حسابات السُّنة... وصراع مسيحي حول الطرف الأكثر تمثيلاً
لم يكن الموقف الذي أطلقه الرئيس اللبناني ميشال عون، في تصريح صحافي نشر الجمعة الماضي، ناجماً من فراغ؛ إذ أكد صراحة وبوضوح ما أشارت إليه «الجريدة» سابقاً أكثر من مرة، وهو أنه لن يسلم البلد للفراغ، وبمعنى أوضح لن يغادر القصر الجمهوري بدون اتفاق على انتخاب رئيس جديد وضَع له هو مواصفات لا تنطبق إلا على صهره جبران باسيل. وأراد عون، من خلال هذا الموقف، افتتاح البازار الرئاسي باكراً، وطرح كل الأوراق التي يمتلكها على الطاولة، بحيث يستخدمها في التفاوض مع «حزب الله» والأميركيين أيضاً، في سبيل تعزيز موقعه التفاوضي لتوفير المستقبل السياسي لصهره.ينظر عون إلى الانتخابات، سواء النيابية والرئاسية، على أنها معركة ذات طابع وجودي. لذلك، لابد من افتتاحها باكراً. وهو موقف يفترض أن يدفع القوى السياسية الأخرى للذهاب إلى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لأن عدم إجرائها يعني بقاء الرئيس في القصر بعد انتهاء ولايته الرئاسية، مع ما سينتج عن ذلك من أزمات سياسية ودستورية. بينما خصوم عون يتهمونه بأنه قد يفكر في إطاحة الاستحقاق الانتخابي لأجل تكريس منطق بقائه، وبالتالي تكرار تجربته في عام 1989 بعدم مغادرة القصر الجمهوري، استناداً إلى مبدأ أن من عرقل الاستحقاقات على مدى سنتين ونصف السنة ليصل إلى رئاسة الجمهورية يمكنه عرقلة الاستحقاقات الأخرى، لتبرير عدم مغادرته القصر إلا وفقاً لشروطه ولتوفير ظروف انتخاب وريثه.
ويركز المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية إفساحاً في المجال أمام التغيير. وبلاشك فإن المعركة الانتخابية ستتركز لدى البيئتين السنية والمسيحية؛ فالمسيحيون سيخوضون معركة تكريس الطرف المسيحي الأقوى والأكثر تمثيلاً، نزولاً عند الحسابات الرئاسية. أما لدى الطائفة السنية، فإن المعركة ستكون شرسة بسبب التضعضع والضياع الذي يعيشه تيار المستقبل، في ظل عدم حسم قرار الرئيس سعد الحريري حول المشاركة في الانتخابات من عدمها. وينعكس عدم حسم القرار لدى الحريري على مواقف قوى أخرى، لاسيما حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، فالرئيس نبيه بري يبدي في مجالسه الخاصة قلقه على مصير سعد الحريري، وهو يريد تحفيزه على العودة والمشاركة في الانتخابات النيابية، ويعبر بري عن قلقه من الكلام الذي يشير إلى أن الحريري سيكون خارج المعركة الانتخابية. الأمر نفسه بالنسبة إلى وليد جنبلاط، الحريص على التحالف مع تيار المستقبل، الذي يمثل السنة، وحريص على العلاقة مع آل الحريري الذين يمثلون الاعتدال. لهذا السبب، أوفد جنبلاط، الأسبوع الفائت، نجله تيمور إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للقاء الحريري وحثه على العودة وعقد التحالف مجدداً. وبحسب ما تقول المصادر فإن الحريري يقول إنه عندما يتم تحديد موعد الانتخابات سيعلن عن قراره حينها.عملياً، دخل لبنان في مدار سنة الاستحقاقات الكبرى؛ مدار يتسم بأهمية استثنائية في هذه المرحلة، لأن النتائج التي ستفرزها الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على الوقائع السياسية في البلاد، وعلى مصير انتخابات رئاسة الجمهورية، فكل القوى السياسية تخوض المعركة الانتخابية انطلاقاً من حسابات حرب الحفاظ على الوجود.تلك الحرب مستمرة في الصراع القائم على الأسباب الخلافية، التي تعوق إعادة تفعيل عمل الحكومة حتى الآن، في وقت لم تشكل مناسبة الاستقلال واللقاء بين الرؤساء الثلاثة أي فرصة لإنتاج حلّ يعيد تفعيل عمل الحكومة. وتكشف مصادر متابعة للقاء أن الخلاف بين الرئيسَين عون ونبيه بري لا يزال على حاله، وسط تفعيل المساعي للبحث عن مخرج، في حين تؤكد المعلومات أن بري و«حزب الله» لن يتنازلا قبل تحقيق شرطهما المتمثل في تنحية القاضي طارق البيطار، أو منعه من التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب، بينما يصر عون على مبدأ فصل السلطات وعدم التدخل في عمل القضاء.