تناقش الأوساط العلمية والسياسية الألمانية في هذه الأوقات سبل التصدي للموجة الرابعة من جائحة «كورونا المستجد - كوفيد 19» وسط ارتفاع غير مسبوق في أعداد الإصابات وإشارات إلى فرض التطعيم الإجباري على جميع المواطنين.

وفي وقت يواظب معهد «روبرت كوخ» المسؤول عن رصد الجائحة منذ أسابيع على تقديم أرقام إصابات غير مسبوقة منذ اندلاع الجائحة في العام الماضي، تسابق الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الـ 16 الزمن من أجل كسر الموجة الجديدة التي باتت تحكم قبضتها على ألمانيا.

Ad

ولا تقتصر تحذيرات معهد «روبرت كوخ» على تقديم أرقام مقلقة، بل أن رئيس المعهد لوثار فيل حذر من حدوث موجة خامسة ما لم يتم سريعاً الوصول إلى المستويات المرجوة من التطعيم.

وقال فيلر في مؤتمر صحفي أن البيانات المتوفرة لدى معهده «تؤكد أن عدم التزام المواطنين بالقيود المفروضة وعدم تلقي اللقاح بشكل كاف ومكثف سيعني اندلاع موجة خامسة في المستقبل».

وأعرب فيلر عن عدم تفهمه لرفض قرابة 15 مليون مواطن في ألمانيا أي أكثر من 30% من عدد السكان الإجمالي تلقي اللقاح، قائلاً أن نسبة التطعيم «ستحدد الوضع الذي سيكون عليه الوباء في الشتاء».

وأضاف أن تلقي اللقاحات والتسريع في تلقي الجرعات التنشيطية «المعززة» السبيل الوحيد للخروج من هذه الموجة وضمان عدم دخول البلاد في موجة خامسة، داعياً حكومات الولايات الألمانية إلى تشديد القيود والتحفيز على اخذ اللقاحات.

يُذكر أن المعهد ينصح بتطعيم 85% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و59 عاماً و90% من الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 60 عاماً إلا أن نسبة من تم تطعيمهم حتى الآن هي أقل من 70% من إجمالي سكان ألمانيا.

اجراءات

وتلاقي تحذيرات المعهد آذاناً صاغية في بؤر تفشي الجائحة لا سيما في ولاية «بافاريا» الواقعة على الحدود النمساوية وولايتي «ساكسونيا» و«تورنغن» الشرقيتين على الحدود التشيكية.

وفيما اعتبر وزير الصحة الألماني ينس شبان أن ألمانيا تمر «بمرحلة طوارئ وطنية» فرضت ولاية بافاريا حالة الطوارئ بينما تستعد ولايات أخرى لاتخاذ اجراءات ليست اقل حدة.

ودفع ارتفاع الأعداد المسؤولين في ولاية بافاريا التي تعد من أكبر الولايات الألمانية إلى الدعوة لفرض التطعيم الإجباري رغم المعارضة الشديدة لدى المناهضين لإجراءات كورونا.

وكان وزير الصحة البافاري كلاوس هولتشيك والذي كان من أكبر المعارضين للتطعيم الإجباري، قال أن الوضع الحالي في البلاد «يتطلب مناقشة إمكانيات فرض التطعيم على الجميع».

وأضاف «أن التطعيم هو الطريق الوحيد للخروج من جائحة كورونا الأمر الذي يدفعني إلى القول صراحة إنني مع فرض التطعيم بالقانون على جميع المواطنين».

وفي ولاية بادن فورتمبرغ تقرر فرض حظر تجول ليلي على غير المطعمين الأمر الذي يُشير أيضاً إلى توجه الولاية نحو حرمان غير المطعمين من المشاركة في الحياة الاجتماعية وتحفيزهم على تلقي اللقاح.

أما الولاية الألمانية الأكبر من ناحية عدد السكان وهي شمال الراين وستفاليا فقد أعلنت توجه السلطات المعنية فيها نحو تشديد الإجراءات المفروضة، قائلة على لسان رئيس حكومتها هندريك فوست أنها لن تكتفي بتشديد الإجراءات بل ستقوم بمراقبة تطبيقها في إشارة منه «إلى تقاعس بعض المواطنين وتهربهم من تطبيق تلك الاجراءات ولجوء بعضهم إلى شراء شهادات تطعيم كورونا مزورة».

وقال فوست أن الاجراءات التي تخطط حكومة الولاية لتشديدها تأتي من أجل حماية غير المطعمين ودفعهم أيضاً لتلقي التطعيم.

وأكد ضرورة وضع نظام رقابة لأن السلطات المعنية لاحظت أن بعض المواطنين يتراخون في التقيد بالاجراءات الموضوعة «الأمر الذي يتطلب تشديد آليات الرقابة وزيادة قيمة الغرامات المخصصة لمعاقبة كل من لا يلتزم بالقيود أو يحمل شهادات تطعيم كورونا مزورة».

جماهير الدوري

وعلى صعيد متصل ونظراً لكون ولاية شمال الراين وستفاليا أكثر ولاية ألمانية تتواجد فيها أندية لكرة القدم من الدرجة الأولى فقد ناشد المسؤول لاعبي أندية ولايته بأن يكونوا مثالاً يُحتذى به على صعيد تلقي التطعيم والالتزام بالقيود.

وفي الوقت الذي رحبت الأندية بذلك ودعت لاعبيها إلى تقديم المساعدة اللازمة، حذرت بعض الأندية الأخرى من حرمان المشجعين من حضور مباريات كرة القدم ومن تنظيمها بدون جمهور.

وقال رئيس نادي بوروسيا دورتموند هانز يواخيم فاتسكه أن التسرع في اتخاذ قرار بإبعاد المشجعين عن ملاعب كرة القدم بسبب الجائحة هو قرار «غير عادل».

أما فريق لايبزغ الذي يلعب في ولاية ساكسونيا حيث أعداد الإصابات مرتفعة هناك فقد اتخذ قراراً بتنظيم المباريات الثلاث القادمة للفريق بدون جمهور وذلك التزاماً بقرارات الإغلاق المتبعة في ولاية ساكسونيا.

وفي مدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا المتضررة بقوة، أعلن النادي البافاري أن خمسة لاعبين أساسيين دخلوا العزل الصحي عقب اختلاطهم مع أشخاص مصابين.

الاقتصاد والصناعة

في غضون ذلك تزداد المخاوف في الأوساط الاقتصادية والصناعية من استمرار الجائحة ودخول البلاد في إغلاق جديد لاسيما في أوقات عيد الميلاد الذي يعد مصدراً حيوياً بالنسبة لتجارة التجزئة.

وقال رئيس اتحاد الصناعات الألمانية يواخيم لانغ في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن «تطور الجائحة الجديد واستمرار نقص المواد الخام وتعطل سلاسل الاستيراد والتصدير كلها أسباب تضع الانتاج الصناعي في هذا الشتاء في دائرة الخطر».

وأضاف أن القيود الجديدة ستساهم في إحجام المواطنين عن الاستهلاك لاسيما في شهر ديسمبر المقبل الذي يشهد عادة إقبالاً كبيراً على الأسواق بسبب «أعياد الميلاد».

التطعيم الإجباري

وفي ظل تزايد أعداد الإصابات يخوض الرأي العام الألماني والأوساط السياسية نقاشاً حول حق الحكومة في فرض التطعيم الإجباري على غرار ما أعلنته النمسا وهو اتخاذ قانون في شهر فبراير المقبل لفرض التطعيم.

وتشير دارسة لمعهد اجراء الدراسات الاستطلاعية «يوغوف» إلى أن غالبية ألمانية تؤيد فرض التطعيم على جميع المواطنين.

وقالت الدراسة التي نشرها المعهد أمام الصحفيين أن «62% من الأشخاص الذين شملهم المسح يؤيدون ذلك فيما يعارض 31% هذه الخطوة».

من جانبها، اعتبرت الحكومة الألمانية المنتهية ولايتها أن تحفيز المواطنين وتشجيعهم على أخذ اللقاح لا يكفي بمفرده في إشارة منها إلى احتمال فرض التطعيم على الجميع ولكنها نقلت هذه المهمة للحكومة الألمانية المقبلة.

وقال المتحدث باسم حكومة انجيلا ميركل المنتهية ولايتها شتيفن زايبرت في مؤتمر صحفي «يبدو أن التحفيز على التطعيم والحملات الدعائية لم تكف وحدها من أجل اقناع المواطنين بأخذ اللقاح ولكن حكومة انجيلا ميركل لن تتخذ هذا القرار» في إشارة منه إلى أن ذلك هو مهمة الحكومة المقبلة التي تتشكل في الوقت الراهن ومن المتوقع إعلانها في هذا الأسبوع.

وتأتي جميع هذه الاجراءات في وقت تعتبر حكومة انجيلا ميركل حكومة تصريف أعمال لا أكثر فيما تجري في الوقت الراهن مشاورات بين ثلاثة أحزب هي «الاشتراكي الديمقراطي» «والخضر» «والليبرالي» من أجل تشكيل ائتلاف ثلاثي بقيادة الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز.