مواجهة حرب الكرملين الهجين الجديدة في أوروبا
يجب أن يتحرك الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وألمانيا، وفرنسا بشأن أوكرانيا، فقد تحدثت جميعها على الأقل في شجب العدوان الروسي ضدها في الأيام الأخيرة، وما يثير الإعجاب في هذا الصدد أن المملكة المتحدة كرست 600 جندي من القوات الخاصة للذهاب إلى كييف.
مع اقتراب فصل الشتاء، يستثير الكرملين المتاعب والقلاقل في أوروبا، وتشمل أحدث مكائده افتعال حرب الغاز ضد بلدان أوروبا الوسطى والشرقية؛ وأزمة هجرة على طول حدود بيلاروسيا مع ليتوانيا ولاتفيا وبولندا؛ وتعبئة عسكرية متجددة على حدود أوكرانيا الشرقية؛ فضلا عن تحريض الصرب على الانفصال عن البوسنة والهرسك.على الرغم من الأهداف المتعددة التي تنطوي عليها هذه الحملة، فإن هناك خيطا مشتركا يربطها جميعا: رغبة الكرملين في تقسيم وإضعاف الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني الحصول على موافقة ألمانيا على مد خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 بأسرع وقت ممكن؛ وإرباك سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي، بهدف إعادة العقود الطويلة الأجل على النمط السوفياتي، مع ربط أسعار الغاز بالنفط؛ وإضعاف أوكرانيا وإرغام مولدوفا على التخلي عن اتفاقية الشراكة الأوروبية والانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي عوضا عن ذلك.يميل الكرملين إلى إرسال بالونات اختبار ليرى ماذا يمكنه أن يفعل دون خشية من عواقب قبل أن يضرب بقوة إذا سنحت له الفرصة، فهذا يعني أن الغرب- الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة- يجب أن يتصرف بسرعة لدرء كل ما قد يخرج من جعبة الكرملين، والخطأ الأكبر الذي قد يرتكبه المرء في الرد على الاستفزازات الروسية هو ألا يفعل أي شيء، أو أن يرد ببطء شديد ولين، كما يزعم كير جايلز من تشاثام هاوس، يتعين على الغرب أن "يدرك أن تجنب المواجهة مع روسيا أمر غير وارد لأنها تحدث بالفعل"، والتاريخ يثبت أن "روسيا تحترم القوة وتحتقر التسوية والتوفيق".
ما يدعو إلى التفاؤل أن الغرب يمتلك بالفعل العديد من الأدوات الفعالة تحت تصرفه، ومع وصول حكومة ألمانية جديدة من المرجح أن تكون أقل ودا في التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تسنح الفرصة لـفِـكر استراتيجي جديد.لن تكون مكافحة حرب الغاز بالمهمة الصعبة، ففي الحادي والعشرين من يوليو أصدرت الولايات المتحدة وألمانيا بيانا مشتركا بشأن نورد ستريم 2، أعلنتا فيه "عزمهما على محاسبة روسيا على عدوانها وأنشطتها الخبيثة بتكبيدها تكاليف باهظة عن طريق العقوبات وغير ذلك من الأدوات"، وبعد أربعة أشهر من التصعيد الروسي، يجب أن تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها ملزمة بإنهاء عدولها عن فرض العقوبات التي نالت موافقة الكونغرس على شركة نورد ستريم 2 AG، ويجب على الحكومة الألمانية أن تذعن لهذا، وهذا من شأنه أن يمنع خط الأنابيب هذا بسرعة، لكن إذا لم تتحرك إدارة بايدن، فلا يزال بوسع الكونغرس أن يفعل، من خلال إضافة عقوبات إجبارية جديدة إلى قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2022.لا تمتلك أوروبا حاليا مخزونا كافيا من الغاز لأن شركة غازبروم ناورت لخلق نُـدرة مصطنعة، حيث تمتلك شركة الطاقة الروسية العملاقة المملوكة للدولة ربع سعة تخزين الغاز في ألمانيا والنمسا وهولندا، وقد أبقت هذه المنشآت فارغة في حين كانت تملأ خزاناتها المحلية حتى نهايتها. الحل الواضح هو أن يحظر الاتحاد الأوروبي على شركة غازبروم وغيرها من الموردين الأجانب امتلاك مرافق تخزين في الاتحاد الأوروبي، وفرض مستويات دنيا من المخزونات على سعة التخزين الحالية، ولأن الاتحاد الأوروبي يحتكر شراء (المشتري الوحيد) الغاز من شركة غازبروم، فيجب أن يبدأ العمل بشكل جماعي للحد من القوة الاحتكارية التي تتمتع بها غازبروم.على الرغم من تغاضي إدارة بايدن عن نورد ستريم 2 (في حين حظرت خط أنابيب النفط Keystone XL القادم من كندا)، فإنها بذلك رفضت توريط نفسها في أزمة الغاز الأوروبية، ويجب أن يتغير هذا، وينبغي للولايات المتحدة أن تتحرك لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي الـمُـسال الآن بعد أن بنت أوروبا القدرة على استقبال شحنات من الغاز الطبيعي الـمُـسال.أما عن الدراما الحدودية البيلاروسية، فنحن نشهد نمطا جديدا من الحرب الهجين، بتحريض من حاكم بيلاروسيا غير الشرعي ألكسندر لوكاشينكو، ويجب أن يدرك حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الوضع على هذا النحو وأن يعرضا دعمهما الكامل لبولندا ولاتفيا وليتوانيا. كان مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي محقا عندما فرض عقوبات على جميع شركات الطيران والشركات المتورطة في تهريب الأشخاص من الشرق الأوسط إلى الحدود البيلاروسية، وينبغي للولايات المتحدة أن تحذو حذوه من خلال تعزيز عقوباتها الخاصة (الناعمة نوعا ما) على بيلاروسيا.منذ تولى بايدن منصبه، وقفت الولايات المتحدة بحزم في الدفاع عن جارة بيلاروسيا الجنوبية، أوكرانيا، وفي سبتمبر، كانت الزيارة التي قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض حدثا فاصلا، وعلاوة على ذلك، زار ما لا يقل عن ثلاثة وزراء في الحكومة الأميركية أوكرانيا هذا العام بالفعل، وفي العاشر من نوفمبر الجاري تبنت الولايات المتحدة بشكل مفاجئ ميثاق الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأكرانيا، حيث تلزم هذه الوثيقة القوية الولايات المتحدة بدعم "حق أوكرانيا في تقرير مسار سياستها الخارجية المستقبلية بعيدا عن التدخل الخارجي، بما في ذلك ما يتعلق بتطلعات أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي".فضلا عن هذه التطورات الواعدة، عينت الحكومة الأوكرانية للتو عضوها الأكثر احتراما، أوليسكي ريزنيكوف، وزيرا جديدا للدفاع. وقريبا، سيزور واشنطن قادما مباشرة من الخنادق في إقليم دونباس. ولكن يجب أن يتحرك الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وألمانيا، وفرنسا، لقد تحدثت جميعها على الأقل في شجب العدوان الروسي ضد أوكرانيا في الأيام الأخيرة، وما يثير الإعجاب في هذا الصدد أن المملكة المتحدة كرست 600 جندي من القوات الخاصة للذهاب إلى كييف.إذا كانت الحكومة الألمانية الجديدة جادة بشأن ضمان السلام في أوروبا، فإن التحرك الوحيد الأكثر فعالية الذي يمكنها القيام به يتلخص في الترحيب بأوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي، فقد كانت أوكرانيا صامدة في مواجهة العدوان العسكري الروسي لسنوات، وكانت بمنزلة حصن لبقية أوروبا، وألمانيا ليست مستعدة للدفاع عن نفسها، لذا ينبغي لها أن تساعد أوكرانيا في الاضطلاع بهذا الدور من خلال تزويدها بالأسلحة، كما تفعل بالفعل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وبولندا، وليتوانيا.أخيراً، هناك قضية البلقان، فقد عادت التوترات إلى التصاعد مرة أخرى في يوغوسلافيا السابقة لأن الاتحاد الأوروبي نكص عن التزامه بإجراء مفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية وألبانيا، وفي مقدونيا الشمالية، خسرت حكومة موالية لأوروبا للتو السلطة بعد اضطرارها لتقديم تنازلات كبيرة للاتحاد الأوروبي في مقابل لا شيء.يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ موقفا جادا في ملاحقة فكرة "أوروبا الكاملة الحرة السالمة"، على حد تعبير جورج بوش الأب في مايو من عام 1989، ومن خلال الشروع على الفور في إدارة مفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية وألبانيا، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يساعد في ردع جمهورية صرب البوسنة عن مغازلة الانفصال عن البوسنة والهرسك.الحق أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمتلكان العديد من البطاقات القيمة، ولكن يتعين عليهما أن يلعبا هذه الأوراق بسرعة وفعالية لصد الانقضاض الروسي الأخير.* كبير زملاء منتدى استوكهولم للعالم الحر، وهو مؤلف كتاب «رأسمالية المحسوبية في روسيا: الطريق من اقتصاد السوق إلى نظام حكم اللصوص».
● أندريس أسلوند - بروجيكت سنديكيت
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمتلكان العديد من البطاقات القيمة ولكن عليهما أن يلعبا هذه الأوراق بسرعة وفعالية لصد الانقضاض الروسي الأخير