شعارات «السيادة الفرنسية» تزداد شعبية!
تكشف الحملة الرئاسية الفرنسية رغبة الناخبين الفرنسيين في تقليص صلاحيات الاتحاد الأوروبي، فقد اختار أبرز خمسة مرشحين لانتخابات أبريل 2022 (باستثناء إيمانويل ماكرون) السيادة الوطنية الفرنسية، و"استرجاع السيطرة"، والحد من صلاحيات الاتحاد الأوروبي، كشعارات أساسية في برامجهم الانتخابية، ومن الواضح أن السياسات السيادية التي يتكلم عنها المرشّحون تتماشى مع توقعات الناخبين الفرنسيين التي تتعارض مع مظاهر العولمة وتوسيع الانتماء الأوروبي التي يفضّلها ماكرون، لكن تُعتبر طريقة استرجاع السيطرة التي يقترحها المرشحون الرئاسيون الخمسة متفجرة بمعنى الكلمة. تكشف جميع استطلاعات الرأي أن المرشحين "السياديين" يحصدون نحو 65% من دعم الفرنسيين، ويؤكد استطلاع وكالة Harris Interactive في 3 نوفمبر على هذا النمط الشائع: إيريك زمور (بين 17 و18%)، مارين لوبان (بين 15 و16%)، زافييه برتران (14%)، فاليري بريكريس (10%)، ميشال بارنييه (9%).في المقابل، يحصد المرشحون الذين يؤيدون السياسات الداعمة للاتحاد الأوروبي (في معسكر اليسار حصراً) نحو 14% من الأصوات.أما إيمانويل ماكرون فتتراوح نسبة تأييده بين 23 و24% خلال الجولة الأولى، مما يعني أن المرشحين الداعمين للاتحاد الأوروبي يمثّلون أقل من 40% من التوجهات الانتخابية، ونتيجةً لذلك، يشعر البيروقراطيون في بروكسل بقلق شديد من زيادة شعبية السياسات المعادية للاتحاد الأوروبي.
لكن ما طبيعة هذه السياسات التي يقترحها أبرز المرشحين في السباق الرئاسي الفرنسي؟ لا يؤيد أي مرشّح انسحاب فرنسا الكامل من الاتحاد الأوروبي، مع أن السياسات التي يطرحها إيريك زمور تدعم هذا التوجه ضمناً، نظراً إلى رغبته في تحرير فرنسا من حالة التبعية للآخر عبر نسف مجموعة كبيرة من شعارات الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، والتجارة الحرة، وتفوّق محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.لكن يبقى رفض تفوّق معاهدات الاتحاد الأوروبي على الدساتير الوطنية الموقف الأكثر شيوعاً وسط المرشّحين "السياديين"، وهو التطور الأكثر خطورة، لا سيما بعد صدور أحكام سابقة عن المحكمة الدستورية الألمانية، فقد اعتبر زمور تعامل محكمة العدل الأوروبية مع المحكمة الدستورية في بولندا "انقلاباً فدرالياً"، واتخذت مارين لوبان موقفاً مشابهاً حين وصفت الاتحاد الأوروبي بـ"السجن"، مع أنها استعملت لهجة معتدلة كي لا تخيف الناخبين اليمينيين التقليديين، لكنها تُصِرّ في المقابل على اعتبار أي نص قانوني دولي غير معمول به إذا كان يتعارض مع الدستور الفرنسي.أكثر ما يصدم في هذه السياسات الفرنسية "السيادية" هو أنها تُفرّغ الاتحاد الأوروبي من مضمونه، أي أساسه القانوني. حاول المفاوضون البريطانيون المعنيون بخطة "بريكست" استرجاع استقلالية بريطانيا بعيداً عن الاتحاد الأوروبي عبر المجاهرة مراراً بالمبادئ البريطانية التاريخية الأساسية، لا سيما سيادة البرلمان، لكن لم تكن تلك المبادئ واضحة ودقيقة بقدر القانون الدستوري المكتوب، فاصطدمت بالمعاهدات والنصوص القانونية التي يرتكز عليها الاتحاد الأوروبي ولا تسمح بإحداث أي تغيير.في المقابل، يُعتبر الفرنسيون الذين صاغوا معظم الأسس القانونية للاتحاد الأوروبي بارعين في استعمال الحجج القانونية والدستورية المبنية على نصوص واضحة لتحقيق هدفهم، وهذا ما يقترحه جميع المرشحين "السياديين" للرئاسة الفرنسية.من خلال رفض تفوّق معاهدات الاتحاد الأوروبي على دساتير الدول الأعضاء، يحاول المرشحون الفرنسيون الخمسة زيادة الضغوط لتفكيك الحقوق والواجبات التي يفرضها الاتحاد، بما في ذلك المبدأ المقدس الذي اضطر المفاوضون البريطانيون لاحترامه، أي تفوّق محكمة العدل الأوروبية، فما يحصل ليس عبارة عن تمرّد أو ثورة، بل إن تداعياته تتجاوز امتيازات الدولة الفرنسية وعلاقاتها مع بروكسل، وهذا الوضع يفتح المجال أمام تحرك الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، كما أنه يمنح بريطانيا فرصة لإعادة التفاوض حول جوانب معينة من اتفاق "بريكست"، لا سيما بروتوكول أيرلندا الشمالية.