منذ سنوات طويلة وأنا أسمع جملة "إن مخرجات التعليم في الكويت لا تتناسب مع سوق العمل" لدرجة أنها أصبحت تتكرر على صفحات الصحف مع نتائج الثانوية العامة وصور خريجي الجامعات، فهل تغير شيء؟ وهل يعقل ما يحدث؟ تقوم الحكومة بمحاباة أحد المطالب الشعبوية التي يتقدم بها أحد النواب في إضافة كادر لهذا التخصص ويُوافق عليه لنجد نائبا آخر يقوم بالمطالبة نفسها لتخصص آخر لمراعاة أن قاعدته الانتخابية هي الأكثرية في هذا التخصص وليتم الموافقة عليه، ومن ثم يزداد إقبال الطلبة على هذه التخصصات لوجود الكوادر لها حتى يصل الى مرحلة التشبع، بل التكدس دون مراعاة لاحتياجات سوق العمل. المصيبة أننا وإن تجاهلنا هذه الأزمة وحاولنا أن نغمض عيوننا قليلا حتى لا نراها، إلا أننا الآن أمام أزمة أكبر فهناك ناقوس خطر يدق بأننا على مشارف كارثة إنسانية حقيقية، وهي أمية جديدة سيعانيها الشباب الكويتيون قريبا جداً إذا لم يتم تداركها بأسرع وقت، فأن تكون أميا لن يكون معناه أنك لا تستطيع القراءة والكتابة في المستقبل القريب جدا، فمع زمن الثورة الصناعية الرابعة تغير مفهوم الأمية، وستكون لمن لا يعرف أساسيات ثورة التكنولوجيا الحديثة والمهارات الرقمية المتطورة من علم البيانات والذكاء الاصطناعي، فالأميون الجدد سيكونون عبئا على الدولة خلال سنوات قليلة مع تسارع أغلب دول العالم في اللحاق بهذه التطورات، فالحقيقة أن الدول في سباق محموم في هذا المضمار، بل قطعت أشواطا كبيرة جداً فيه مع حرصها على أن تطوير مهارات شبابها سينعكس على أدائها في تحسين وتطوير خدماتها العامة.
الأميون الجدد في الكويت سيكون ذنبهم في رقبة المسؤولين ومتخذي القرارات الذين لم يستطيعوا استشراف المستقبل القريب جدا أو على أقل تقدير النظر يمينا ويساراً والمقارنة مع الدول العربية والخليجية في مضمار السباق والتسلح التكنولوجي الذي يقومون به لتحسين جودة الحياة.ستكون هذه الفئة الكبيرة من الخريجين عالة وبطالة حقيقية في البلد، كما ستتسبب في معاناة اقتصادنا الوطني بقسوة شديدة، طاقات شبابية كويتية مهدرة بلا مهارات تقنية لم تجد من يساندها على المسار الصحيح، ويجب ألا ندفن رؤوسنا في التراب لنخفي الحقائق، فالحقيقة الواضحة أن مخرجات التعليم في الكويت لم تعد تتناسب مع متطلبات العمل الحديث، فتكدس الطلبة في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل وفي المقابل لا توجد تخصصات جديدة مواكبة لما يحتاجه السوق فعليا، إذ يجب تطوير المناهج وإنشاء كليات ومعاهد جديدة باسم كلية الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، أو على أقل تقدير تقديم برامج دراسات عليا في هذه المسارات بعد تأسيس الطلبة في مجالات الحاسب الآلي. يجب ألا يمر خبر كبير مثل توقيع الكويت اتفاقية مع شركة (غوغل) لتكون مقرا إقليميا لحفظ البيانات دون أن يتم التجهيز والاستعداد له، حيث إن الكويت بهذه الاتفاقية قد وضعت نفسها في مسار الدول المتطورة في مجال التكنولوجيا والتي ستوفر آلاف الفرص الوظيفية، ولكن من الواضح أنها لن تكون من نصيب المواطنين، لأن "غوغل" ستستند في توظيفها إلى معايير المهارات التقنية المطلوبة لهذه الوظائف المتقدمة تكنولوجيا، ولم يتم تأهيل الشباب الكويتيين لها والعمل على الاستثمار في عقلية الشباب وتجهيزهم لتولي هذه المهام، وحينها سيتم الاستعانة بالأكثر كفاءة تقنيا أيا كانت جنسيته. استثمروا في عقول الشباب وجهزوا لهم التخصصات التي تتناسب مع مستقبلهم وتمكنهم من مجاراة العالم المتقدم تكنولوجيا، فالأوطان لا تبنى إلا بعقول أبنائها.
مقالات - اضافات
الأميون الجدد وكلية الذكاء الاصطناعي
26-11-2021