بوصلة: رؤيتنا الأممية العالمية
تضع الدول المتقدمة خططاً استراتيجية نابعة من رؤية وخبرة قيادييها ومفكريها، وتتأثر عادةً بالعوامل الاقتصادية والسياسية والدينية والتراثية المحلية والإقليمية، فلو أرادت إحدى الدول المتقدمة أن تضع لنفسها رؤية مستقبلية تشمل النهوض بجميع مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها، فستحظى كل واحدة منها برؤية فرعية خاصة بها ضمن الإطار الاستراتيجي والزمني للرؤية الشاملة للدولة. على سبيل المثال، يفترض أن تتفرع عن رؤية الكويت 2035 عدة خطط ومشاريع موزعة على كل جهاز حكومي حسب الاختصاص ليتم التنفيذ في وقت زمني لا يتعدى 2035 بالتنسيق مع الجهات الأخرى لتتكامل جهود الأجهزة الحكومية تحت مظلة واحدة تقودها رؤية موحدة على مستوى الدولة، وهذا المشروع الضخم وبعد إقراره يفترض أن يوفر فرص عمل كثيرة للشباب واستثمارات ضخمة للقطاع الخاص، ولكن هل تستطيع الحكومة بشكلها الحالي أن تواكب متطلبات التنمية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؟ لا شك أن هناك ضرورة لإصلاح الجهاز الحكومي وإعادة هيكلة الوزارات ودمج بعضها ببعض، واستحداث وزارات جديدة كالمعلومات والعمل والابتكار والذكاء الاصطناعي وغيرها، وتمكين الكفاءات وأهل الاختصاص، مع ثبات التشكيلة الحكومية لمدة لا تقل عن عشر سنوات لضمان تنفيذ الخطط الاستراتيجية المتفرعة عن خطة الدولة الرئيسة التي ستحقق رؤيتها المستقبلية. هذه الإجراءات ستسهم في تحسين الأداء الحكومي، وتسرع عملية اتخاذ القرارات الصعبة المتعلقة بتحديد الهوية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل وإيقاف الهدر وأوجه الصرف المسببة للعجز، فلماذا لا ندمج وزارة شؤون مجلس الأمة والتخطيط بوزارة شؤون مجلس الوزراء؟ وكذلك وزارة الإسكان والبلدية والأشغال لتصبح وزارة البلدية، ووزارة المالية والتجارة والاقتصاد والنفط لتصبح وزارة واحدة، وكذلك المواصلات والنقل والمعلومات بجانب العدل والشؤون والصحة تدمج تحت وزارة الخدمات وهكذا؟ فالاندماج ليس للشركات فقط، بل هو للقطاع الحكومي أيضا الذي هو في أمس الحاجة حاليا الى خفض مصروفاته التشغيلية وتخفيف الضغط على الباب الأول للميزانية، وإنهاء الدورة المستندية الطويلة بين وزاراته والتركيز على تكامل الجهود بدلا من التنافس المعطل لمشاريع التنمية.
كما تستطيع الحكومة إنشاء الهيئات وأجهزة متخصصة بالشراكة مع القطاع الخاص لضمان أداء أفضل من خلال حكومة ذكية مصغرة ذات فعالية عالية تواكب متطلبات التنمية، وإن الوصول إلى الرؤية المستقبلية يتطلب وضع خطة استراتيجية محكمة وذات أهداف ملزمة وفترات زمنية محددة لكل قطاعات الدولة، نبين فيها: أولا: أين نحن الآن؟ وهو وضعنا الحالي الذي يعرفه الجميع. ثانيا: أين نريد أن نذهب؟ وهي رؤيتنا لمستقبل البلد. ثالثا: كيف سنحقق هذه الرؤية؟ وهي الخطط والمشاريع التي تتحقق من خلالها الأهداف الاستراتيجية للرؤية. رابعا: تقييم وقياس مدى التقدم والإنجاز وبكل شفافية. بإمكاننا التعرف على وضعنا الحالي من خلال قياس مدى تطابق رؤية البلد 2035 مع أهداف اتفاقية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015– بما فيها الكويت- والتي تُعرف أيضا باسم الأهداف العالمية، وهي عبارة عن دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. وتعتبر أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر متكاملة وقابلة للتطبيق وتضمن التوازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في حال اتباع مؤشراتها والاسترشاد بمستهدفاتها، فهل سيتحقق التوازن والربط بين رؤية 2035 وخطط قطاعاتنا المحلية (التي تخطى بعضها 2040!!) وتتوافق جميعها مع الأهداف العالمية قبل حلول عام 2030 حتى تتحول رؤيتنا المحلية إلى رؤية أممية عالمية؟