الملف الأفغاني (1-2)
في إحدى الأمسيات وبينما كنت أتنقل بين القنوات التلفزيونية، وإذا بي أشاهد الأمير تركي الفيصل آل سعود وهو يلقي محاضرة في معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض مؤخراً، فكان عنوان المحاضرة "الملف الأفغاني"، وإذا به يتحدث عن كتابه الجديد الذي صدر من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي صدر باللغة الإنكليزية، وتم ترجمته للغة العربية، وشدني العنوان وكذلك المتحدث، وتذكرت أيام ما كنت سفيراً لبلدي الكويت في باكستان في الفترة ما بين 1997 و2000 . كانت الأحداث في أفغانستان تتسارع بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وكنت أراقب الأحداث وتطورها في البلد المجاور لباكستان عن بعد من وراء الحدود الباكستانية الأفغانية، وكنت أنوي الكتابة عن هذا البلد الإسلامي الذي ابتلي بالمشاكل والحروب والمضطرب دائما، فجمعت كثيراً من الكتب وما نشر عن هذا البلد المنكوب، وكان بودي أن أزوره لأرى على الطبيعة ما يحدث هناك، وبما أن الكويت ليست لها علاقات دبلوماسية مع أفغانستان في ظل حكم حركة طالبان فلم يتحقق لي ذلك ولكنني كنت على مقربة من الحدود الباكستانية- الأفغانية بالقرب من ممر خيبر المشهور الذي شاهدت حركة سير القافلات في ذلك الممر وكنت برفقة وفد عسكري كويتي زائر لباكستان. أعود مرة أخرى لكتاب الأمير تركي الفيصل القيم عما حدث في أفغانستان يرويها من عايش الوضع وزارها وبذل جهودا طيبة ممثلا لبلاده المملكة العربية السعودية لحل الأزمة الأفغانية، ولا شك أن صفته كرئيس للاستخبارات العامة في بلاده وتقلده عدة مناصب منها سفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة الأميركية وسفيراً لبلاده لدى المملكة المتحدة، يعطي الكتاب أهمية لأنه يتحدث بلسان رجل مسؤول وذي خبرة في بلاده.
الكتاب يحتوي على 14 فصلاً مزودة بالصور والوثائق المتعلقة بالملف الأفغاني، وما حواه هذا الملف من مشاكل على أرض أفغانستان ودور المملكة العربية السعودية في مساعدة أفغانستان وحل الخلافات بين الفصائل الأفغانية المتنازعة، وكذلك الدور الذي أدته كل من المملكة وباكستان والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة الغزو السوفياتي في أفغانستان، وبعدها الانسحاب السوفياتي بعد هزيمته والحروب التي تلت ذلك بين رفقاء السلاح، وبعدها بروز حركة طالبان والقاعدة، وبعد ذلك الوجود الأميركي في أفغانستان حتى الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عام 2021 . منذ نحو عشر سنوات التقيت لأول مرة بالأمير تركي الفيصل آل سعود في حفل عشاء أقامه الأخ العزيز الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك، في قصر المسيلة على شرف مجلس أمناء مركز الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط التابع لجامعة أكسفورد البريطانية، حضره عدد من المسؤولين الكويتيين من وزراء وسفراء وأساتذة جامعة ورجال أعمال وإعلاميين وغيرهم. على طاولة الطعام اجتمعت مصادفة مع الأمير تركي، وكان على يساري، فدار الحديث بيننا حول أمور أخرى، وسألته قائلا إنك ما شاء الله تقلدت مناصب كثيرة منها رئاسة المخابرات العامة، ولديك الكثير من المعلومات، وخصوصاً في أفغانستان فلماذا لا تكتب مذكراتك فنظر إلي وابتسم قائلاً: ليس من عادتنا كتابة المذكرات. بعد قراءتي كتابه "الملف الأفغاني" عرفت أن هذا الرجل الهادئ المتواضع الذي تعلو شفتيه الابتسامة لديه الكثير من الأسرار ومعرفة بالأحداث خصوصاً أنه واكبها كمسؤول، ومنها أفغانستان، ولما عرفت اسم الكتاب سارعت لاقتنائه من المملكة العربية السعودية، وأحضره لي ابني أحمد عن طريق أحد أصدقائه كان في مهمة بالرياض، وأفاد بأن النسخ نفدت من معرض الكتاب في الرياض واستطاع أن يرسل لي نسخة منه فيما بعد. لقد قرأت الكتاب فوجدت فيه معلومات كثيرة عن أفغانستان منذ سقوط آخر ملوكها الملك ظاهر شاه عام 1973 مروراً بالغزو السوفياتي لأفغانستان في الفترة من 1979 إلى 1989 بعدها تشكيل الحكومة الأفغانية من الفصائل المختلفة حتى حكم حركة طالبان، وبعدها الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة حتى الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عام 2021 .