الانتخابات الليبية قد تتوقف على خطوة تركيا المقبلة
يجازف الجدل المرتبط بالانتخابات الليبية المرتقبة بإعادة إحياء الاشتباكات بين الفصائل المتناحرة، لكن ستكون استراتيجية تركيا خلال المرحلة التي تسبق الانتخابات أكثر أهمية.ففي 21 نوفمبر، أعلن رئيس الوزراء الليبي، عبدالحميد دبيبة، ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر، فانضم بذلك إلى مرشحين آخرين مثل القائد السابق للمنطقة الشرقية خليفة حفتر، والساعدي القذافي، ابن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.أثار ترشّح حفتر والقذافي استياء الميليشيات المتمركزة في معاقل خصومهما، منها طرابلس ومصراتة والزنتان، وقد هدّد زعماء الميليشيات علناً بإعادة إشعال الحرب الأهلية، وفي الوقت نفسه، استاء اللاعبون السياسيون المدعومون من تركيا من ترشّح حفتر الذي تعتبره أنقرة "انقلابياً" و"مجرم حرب".
تُحدد أنقرة موقفها من التطورات الحاصلة بناءً على مسألتَين أساسيتَين: أي مرشّح يستطيع حماية الوجود العسكري التركي واتفاق ترسيم الحدود البحرية؟ وما الطريقة التي تضمن فوز هذا المرشّح؟ قد تنطبق هذه المواصفات على مرشّحَين محتملَين: عبدالحميد دبيبة، ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.بعد فشل دبيبة في نيل دعم كبير من اللجنة الانتخابية، قدّم رجل الأعمال السابق أوراق ترشّحه للانتخابات رسمياً في 21 نوفمبر، أي قبل يوم من انقضاء المهلة النهائية، وينتظر مناصرو دبيبة قرار اللجنة الآن، وقد يحاولون تأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر إذا رُفِض طلب ترشيحه.أما باشاغا، فقد تعاون مع أنقرة عن قرب لكسر حصار القوات الشرقية التي يقودها حفتر في طرابلس خلال السنة الماضية، علماً أنه ينحدر من مصراتة، معقل الجماعات المدعومة من تركيا. حاول باشاغا أن يكسب دعم مصر وفرنسا للوصول إلى رئاسة الوزراء بعد وقف إطلاق النار، لكنه خسر أمام دبيبة خلال تصويت حصل برعاية الأمم المتحدة لانتخاب سلطات مؤقتة جديدة في شهر فبراير الماضي. تسجّل باشاغا كمرشّح للرئاسة في 17 نوفمبر، وهو الخيار البديل الذي يمكن أن يحصل على دعم أنقرة، ويظن البعض أن الولايات المتحدة تدعم باشاغا أيضاً، وقد سافر هذا الأخير إلى واشنطن في فترة حصار طرابلس ونجح في تغيير موقف واشنطن بشأن الحرب الليبية عبر التشديد على توسّع النفوذ الروسي في البلد.في غضون ذلك، قد يتماشى ترشّح القذافي مع المقاربة البراغماتية التركية لأنه قد يُضعِف الأصوات التي يتلقاها حفتر، وبرّأت محكمة ليبية القذافي من تُهَم الاختلاس والقتل في عام 2018، لكنه لا يزال مطلوباً من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية اتّهامه بارتكاب جرائم حرب، وفي المقابل، سيكون رفض ترشّح حفتر مستبعداً جداً على الأرجح لأن هذا القرار سيعوق مسار الانتخابات في المنطقة الشرقية، مما قد يؤدي إلى انقسام دائم بين شرق البلاد وغربها. تعارض الإدارة الأميركية ترشّح القذافي صراحةً، لكنها لم تطلق أي موقف حول ترشّح حفتر للرئاسة، وقد يؤدي فوز حفتر، الذي حظي بدعم روسيا وفرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة خلال الحرب الأهلية، إلى نسف حسابات أردوغان بشأن ليبيا.لهذا السبب، تتماشى معارضة الميليشيات لترشّح حفتر مع توقعات تركيا، وقد هاجمت ميليشيات تابعة لوزارة الدفاع المحلية مراكز انتخابية في سبع محافظات ليبية وطردت مسؤولين انتخابيين تحت تهديد السلاح، وأصدرت ميليشيا تحمل اسم "ثوار الزاوية" بياناً تذكر فيه أنها لن تسمح بحصول أي سباق رئاسي إذا كان يشمل حفتر، وهددت بأن يعيد ترشّحه إشعال الحرب، كذلك، رفض القادة في مصراتة ترشّح "من ارتكبوا جرائم ضد الشعب الليبي".إذا تمت المصادقة على ترشّح دبيبة، فقد يصبح المرشّح الأوفر حظاً بفضل سياساته الشعبوية التي تشمل برامج لمساعدة الشركات الناشئة والأزواج الجدد، كما أنه تعهد بتأمين قروض سكنية رخيصة، وأراضٍ مجانية، ومِنَح دراسية مزدوجة لطلاب الجامعات.وفق صحيفة "العرب"، يتعاون دبيبة، الذي يُعتبر الأوفر حظاً لهزم حفتر، مع المجلس الأعلى للدولة وقادة الميليشيات ومجموعات اجتماعية أخرى، وقد حصل أيضاً على دعم جماعات مؤثرة في مصراتة والإسلاميين السياسيين. لم يترشّح الإسلاميون للانتخابات لأنهم لا يحظون بدعم شعبي كافٍ، لكنهم يحاولون الاستفادة من هذه العملية من وراء الكواليس.في غضون ذلك، تُفضّل مصر ألا تؤيد أي مرشّح علناً بعدما دعمت قوات حفتر ضد الجماعات المدعومة من تركيا، ويقول المحلل المصري محمد أبو الفضل إن القاهرة تربطها علاقات حسنة مع معظم المرشحين، بما في ذلك دبيبة، رغم علاقته الوثيقة بتركيا، وهي تفضّل ألا تتدخل لأن جميع الخيارات لا تزال واردة.