أثار المقترح الذي وافقت عليه لجنة المرأة في مجلس الأمة بصرف راتب لربات المنازل مجموعة من الملاحظات على الاقتراح الذي يعتبر واحدا من الاقتراحات الشعبوية الانتخابية في مجلس الأمة وذات الآثار المدمرة اقتصاديا.فالمقترح الذي يشجع على جلوس المرأة في المنزل مقابل راتب زهيد "لا يغطي تكاليف الحياة", يناقض حتى شعارات عدد كبير من النواب بشأن تمكين المرأة اقتصاديا ومهنيا، فأين التمكين في هذا الاقتراح؟ والسؤال الأهم: هل مساهمة المرأة في بناء الاقتصاد تكون عن طريق تقليل راتبها مقابل جلوسها بالمنزل؟! علماً بأن الراتب الشهري لربة المنزل الكويتية لا يزيد استقلاليتها المالية, ولا يساهم في بناء الاقتصاد، بل على العكس يساهم في تقليص دورها في المساهمة بالاقتصاد, ويشجع على الكسل وعلى تنمية ثقافة الاستهلاك المفرطة.
عبء الميزانية
تعاني ميزانية الكويت جراء عبء الرواتب الذي يأخذ حيزاً كبيراً من الميزانية، تتجاوز نسبته 70 في المئة, وتبلغ نسبة مساهمة الكويتيين في النشاط الاقتصادي نحو 47 في المئة، مقابل 85 في المئة من مساهمة غير الكويتيين, وبحسب الاحصائيات أيضا فإن نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الحكومي 75 في المئة ونسبة المواطنين في القطاع الخاص لا تكاد تتعدى 4 في المئة, فالمشكلة في اقتصاد الكويت بحد ذاته أنه اقتصاد ريعي, والمشكلة الأخرى في الإدارة التي من المفترض أن تشجع على الاقتصاد الإنتاجي وتبدأ بالعمل على التقدم الاقتصادي بحيث يكون للراتب مقابل حقيقي (عمل منتج), فإن جلست جميع الموظفات في المنزل مقابل راتب 500-750 فلن تتحسن ميزانية الكويت , الخلل بنوعية الاقتصاد والإدارة، وأي تغير في طرق تقليل الرواتب لن يجدي نفعا!المشاكل الاقتصادية
عندما نتحدث عن المشاكل الاقتصادية علينا الاستناد للكثير من البيانات والمعلومات, فوفق إحصائيات الهيئة العامة للمعلومات المدنية شكلت المرأة المتفرغة لأعمال المنزل نسبة 17,2 في المئة من إجمالي الكويتيات العاملات والمتعطلات عن العمل والمتفرغات لأعمال المنزل, حيث بلغ عدد النساء المتفرغات لأعمال المنزل 49,524 من أصل 286,440 من النساء العاملات والمتعطلات والمتفرغات, وفي التفاصيل فإن النسبة الأكبر من المتفرغات لأعمال المنزل من نصيب النساء اللاتي أعمارهن أكبر من 64 بعدد 25,093, ثم الأعمار من 60 إلى 64 بعدد 7,956 ثم فئة الأعمار 55-59 بعدد 7,558, والأقل عدداً من الفئات العمرية 20-24 بعدد 25 امرأة.49,524 امرأة متفرغة لأعمال المنزل, عدد بحد ذاته مشكلة وعلى الدولة البحث في الأسباب ودراسة وضعهن, إن لم يكن خيارهن فيجب توفير الحلول المناسبة لهذه الفئة.وتشكل النساء نسبة 51 في المئة من سكان الكويت بعدد 751,585 مقابل 721,676 من الرجال , وبلغ عدد العاملين الكويتيين في كلا القطاعين الخاص والحكومي 422,891, حيث بلغ عدد الإناث العاملات 211,983 مقابل 210,908 من الذكور, وهي أرقام متقاربة تدل على حرص المرأة على العمل, فهناك من تعمل لحب العمل وهناك من تعمل بغرض توفير حياة كريمة لأبنائها, الأسباب كثيرة والأكيد أن وجود المرأة في ميدان العمل أمر طبيعي وضروري لاقتصاد الكويت.ثمة مشكلات اقتصادية الممكن أن تقتحم اقتصاد الكويت بأرقام عالية جدا وهي مشكلة التضخم, فعدم وجود أماكن ترفيهية في الكويت حفز على أن يكون "الاستهلاك" هو الترفيه, وكلما زاد الاستهلاك زادت نسبة التضخم, وما سيحدث هو مشهد قريب من واقعنا، إلا أن حدته ستزيد, ستجلس المرأة في المنزل وتأخذ راتباً بحدود 700 دينار مما يشجع على الاستهلاك المفرط.الأسرة الكويتية
لم تعد الحياة سهلة كما السابق فالحياة تسير بصعوبة والتزامات الحياة تحتاج عمل كلا الوالدين براتب مناسب لتخطي الكثير من العقبات, إن متوسط أفراد الأسرة الكويتية 7 أفراد, والرواتب لا تقارن بالاستهلاك, وهناك تضخم في الأسعار على جميع المستويات, مع أزمة إسكانية تزيد عبء تكاليف الحياة على الأسر الكويتية, وهناك من يقترح أن تجلس المرأة وتأخذ راتباً متدنياً لتربي الأبناء, مع ان حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لا يأتي بطمس دور المرأة مهنياً وتقليل قيمتها في المجتمع, بل الحل يأتي بالمعالجة الجذرية لأزمات الأسرة الكويتية كحل الأزمة الإسكانية وإصلاح التعليم, الحل يبدأ بالاصلاح الاقتصادي للدولة لا عن طريق جلوس المرأة في المنزل مقابل راتب زهيد لا يغطي تكاليف الحياة.لا تجد أسرة اليوم من رواتب صافية بدون قروض، العقار بكل أنواعه مرتفع الأسعار سواء سكني أم استثماري، تمليك أم إيجار، رواتب متدنية مقابل التضخم وإذا تم جمع رواتب الزوجين للحصول على منزل فلن تكفي، وإن كفت فلن تعيش الأسرة عيشة طبيعية، وستعاني من الديون لفترات طويلة تأخذ من أعمار أفرادها الكثير.الدولة مسؤولة عن توفير سكن وتعليم وصحة، أي أساسيات الحياة في كل مكان في العالم، إلا أن التعليم والمستشفيات ذات جودة سيئة، لذا تضطر الأسرة للتوجه للقطاع الخاص لضمان تعليم أطفالهم تعليماً ذا كفاءة عالية ومستشفيات خاصة، أما السكن فمشكلته عميقة وتتجذر مع كل تقدم للزمن.معاناة المرأة
إن العدالة الاقتصادية للنساء ليست ممكنة تحت سياسة الهدر وفشل دولة الرفاه, فهناك من يعانين من مشاكل اقتصادية واجتماعية، وتعتبر فكرة "راتب ربة المنزل" منفذاً لهن، لذلك على لجنة المرأة والحكومة دراسة وضعهن وتقديم المساعدة بطريقة لا تنافي مبدأ المساواة ولا تمكين المرأة، فهناك الكثير من الحالات التي بحاجة ماسة لمساعدات عاجلة.من مهام الدولة أن تقوم بتوفير الأمان والحياة الكريمة للناس, فلا يوجد أي ضرر من تقديم المساعدات للنساء المتضررات اللاتي ليس بمقدورهن العمل وللرجال أيضاً لكن بلا تمييز بين ذكر او انثى.فكرة المقترح
دور الحكومة مهم في المجتمعات الحرة, ونحتاج لتفعيل الدور الحكومي للنهوض بالمجتمع الكويتي, وإجماع الآراء في قضية معينة مبدأ مطلوب ولكنه غير واقعي، فأي قضية لابد أن تحسم بنعم أو لا, وإن كان الحسم بـ "لا" فيجب وضع عدد معين من البدائل, فما هي البدائل في فكرة راتب ربة المنزل؟لا شك ان كل مشروع وكل قرار يحتاج إلى دراسة حتى ينجح وحتى تكون التكاليف صحيحة وفي محلها, يحتاج المقترح إلى دراسة شاملة، فبالإضافة إلى التكاليف المالية يحتاج الموضوع إلى دراسة للآثار الاجتماعية والنفسية, ففي الكويت نعاني من مشكلة البطالة المقنعة، والتي أثرت على الفرد وعلى المجتمع بطريقة سلبية، فحق العمل يجب ألا يمس وعلى عكس ما يحدث يجب حث النساء على العمل، حتى يصبح للحياة معنى ويساهمن في نمو الاقتصاد, فقد حث دستور الكويت على العمل في المادة 41 من الباب الثالث -الحقوق والواجبات- ونص على أن لـ "كل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه. والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه". هل سنتجه بهذا المقترح إلى قمع المرأة الكويتية وسلب حقها في العمل مستقبلاً؟ ماذا سيترتب بعد ذلك, هل سيكون في بداية الأمر مسألة اختيارية للمرأة، ثم يتحول إلى إجبار؟الكثير من الأسئلة تحتاج إلى إجابات مقترِح الموضوع، ومن لجنة المرأة التي يفترض أن تدعم المرأة في حقوقها الدستورية، لا أن تقوم بعكس ما حث عليه الدستور.