أين قناة السويس من خط الشارقة – مرسين؟
ليست المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح ممر مائي جديد بديل لقناة السويس، فعلى مدار سنوات ومنذ الخمسينيات كانت هناك مبادرات وخطط لتحل محل "قناة" تربط بين الشرق والغرب، صمدت القناة بل واجهت تلك المشاريع بمزيد من التوسعة وزيادة الأعماق لعبور أضخم السفن في العالم وتسهيل خدمات النقل والأمان وغيرهما. اقتراح خط الشارقة– مرسين أعاد من جديد هذا الموضوع ووضعه على الطاولة في الوقت الذي سجلت فيه القناة مرور 80 سفينة باليوم وهو رقم قياسي لم تشهده في تاريخها. المختصون في البحار والشحن البحري اعتبروا أن الغمز من قناة السويس أمرٌ عابرٌ، فالخط الجديد الذي يربط الإمارات بتركيا يطغى عليه اللون السياسي، وإن كان بغطاء تجاري يشبه إلى حد كبير حال التحالفات السياسية المتغيرة في المنطقة.
وبحسب خبراء دوليين فالممر المقترح يهدف إلى دعم باكستان أولاً، ودولتين إسلاميتين (إيران وتركيا) أكثر مما هو مشروع مستدام مبني على مقومات ثابتة، قد يتعرض إلى اهتزازات أو ارتدادات سياسية وهذا ما لا نتمناه. خط الشارقة-مرسين يمر بإيران، مخصص لنقل البضائع والتجارة الإماراتية المعاد تصديرها، بحيث يقلص الطريق البحري الذي كان يستغرق 20 يوماً عبر قناة السويس إلى 6 أيام. المحللون السياسيون نظروا إلى الأمر بكونه "اختراقاً" يفوق في أهميته تبادل الزيارات الدبلوماسية مع تركيا فقد أجريت "بروفة" أولية لنقل البضائع عبر معبر "الشارقة– بندر عباس– مرسين" في الأسبوع الأول من أكتوبر 2021 وفي رحلة لم تستغرق أكثر من 8 أيام إضافة إلى أن الشحن البحري من باكستان والذي كان يستغرق شهرا أصبح اليوم 10 أيام وعن طريق البر. ما نشهده هذه الأيام هو "تطوراً جيو– اقتصادي وإزاحة جيو– استراتيجية" على حد تعبير أحد الخبراء الاقتصاديين، ومن المرتقب أن تُصَدّر الإمارات نفطها عبر هذا الممر بدلاً من قناة السويس، مما يعني خسائر باهظة ستفقدها مصر من جراء ذلك. حراك أبوظبي السياسي والاقتصادي ليس بعيداً عن التحالفات التي تم نسجها مؤخراً وأحدثها "تحالف الهند والإمارات وإسرائيل وأميركا" والذي تم إطلاقه من تل أبيب، يركز على التجارة وتغير المناخ والطاقة والأمن البحري، ولعل مشروع نقل النفط والمنتجات البترولية كما تم الترويج له والذي يَمتد من الإمارات إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا وعبر خط ينطلق من ميناء إيلات إلى ميناء أسدود على المتوسط سيكون الأكثر تهديداً لقناة السويس إذا ما رأى النور. التقديرات المصرية تقول إن الخطوط البحرية والقنوات البديلة لم تعد هاجسا يؤرق شركة قناة السويس بل تحول إلى حافز عند أصحاب القرار في مصر، بحيث استطاعت أن تكيف أوضاعها وتستفيد من الأزمات التي تعصف بالمناطق الساخنة بالعالم، وتعيد تثبيت نفسها على خريطة أهم خطوط النقل وحركة التجارة الدولية، وبما يفوق عشرة في المئة من حركة التجارة العالمية. الواقع أن هناك أسباباً ودوافع مختلفة وراء تلك المشاريع، وفي كل الأحوال تبقى الظروف والمواقف السياسية هي المحركة والناظمة لكل التحالفات. كلنا يعلم مشروع إسرائيل ربط المتوسط بخليج العقبة وبقناة جديدة أضيف إليها اليوم بعد "التطبيع" إعادة إحياء ميناء حيفا، أو ربط البحر الأحمر بخليج حيفا، وهذا ليس بعيداً عن الدور الإسرائيلي الذي تسعى إليه واستفادتها من ضرب ميناء بيروت وإحلال مكانة مصر عبر قناة جديدة. هناك كلام عن الطريق الصيني الذي يمتد عبر المحيط المتجمد الشمالي، لكن الإبحار في المحيطات يظل أخطر بكثير من عمليات الإبحار في البحار.لقد تغير المشهد السياسي بالكامل، وتحول الخصوم والأعداء إلى شركاء تجاريين وبصورة قلبت المسارات رأسا على عقب، فهل نترقب مفاجآت جديدة من شأنها تغيير المعادلات في الميزان الاستراتيجي القائم في المنطقة؟